عصماء بنت محمد الكحالية
أبي، وأنتَ النورُ في دنيا العُلا
وسَنا الحنينِ إذا الدروبُ تَبدّلا
يا من زرعتَ بداخلي بذرَ الهُدى
وسقيتَني حلمًا تسامى واكتَملا
أذكرْتَ حينَ كتبتُ أولَ خاطِرٍ
وجلستَ تقرأهُ كأنّهُ مُنزلَا؟
قلتَ: “اكتبي، فالحرفُ صوتُكِ في الدُّنا
والفنُّ لا يُطفى إذا القلبُ اعتلَى”
“ارفعي جَناحيكِ، ولا تخشي المدى
إنّي معك، ووراءكِ أرجو العُلا”
أوصيتني، ونَظرةُ العينينِ قالتْ
“إخوتكِ نَبتٌ… فكوني المُجتَلى”
“كوني لهم ظهرًا، إذا الوقتُ اشتكى
وإذا الليالي مالَ فيها المِثقلا”
وإذا شددتَ عليّ، فالعذرُ الحَنون
خوفٌ عليّ… يخافُ قلبي أن يَزِلّا
كنتَ الحنونَ، وإنْ شددتَ بقولِكَ
فكأنّ فيكَ الرحمةَ المُتَمثّلا
وتقولُ دوماً: “منْ بناتي، أنتِ لي
نبضُ الفؤادِ، ومَنْ رَجوتُ لتَكمُلا”
وحينَ ضاقت بي الحياةُ، وأقبلتْ
دمعي، وقلبي ما استطاعَ تحمّلا
لمحتَ وجهي، فانثنيتَ بلُطفِكَ
وربتَّ كفّكَ فوق كتفي موصِلا:
“يا بنتَ قلبي، كلُّ جرحٍ يلتئمْ
ما دامَ فيكِ الصبرُ، والحُلمُ امتلا”
“امسحي دموعكِ، وانهضي وتقدّمي
من سقطَ الأمسِ،فاليومَ رقي العُلا”
وكمْ سَمعتُكَ في الجموعِ مُباهيًا
“تلكَ ابنتي… حرفُ النبوغِ تجلَّلا!”
ترفَعْتَ بي، وكأنّني تاجُ العُلا
ووقارُ صوتِكَ في المقامِ تمثّلا
قالوا: “كبرتْ”، فقلتَ: “بل صارتْ نُجومًا
تشعُّ فينا، والحروفُ تَجمّلا”
وها أنا أمشي في وصاياك التي
صارت طريقًا، لا أُضيّعُ مَنْزِلا
أرعى إخوتي، كأنّك بينهم
وأظلّ أنسُجُ من دُعائي مِظلّلا
فابقَ لنا، يا سِرَّ حبٍّ خالِدٍ
يا ضوءَ عمري، يا أبي، والمأمَلا
