Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المقالات

مذكرات

✍️بقلم: خليفة سالم الغافري

✍️بقلم: خليفة سالم الغافري

لم أستطع أن أحتفظ بأحلامي، ولا بأصحابي، ولا بأولئك الذين كانوا يحيطون بي يومًا ويملؤون عالمي بالضجيج والحياة. كل شيء مضى، كل شيء تلاشى، وكأنني لم أكن سوى عابرٍ في حياة الآخرين، وكأنهم لم يكونوا سوى عابرين في حياتي. لم يبقَ شيء، سوى هذه المرحلة الباهتة التي تحمل اسم “لا شيء يهم”، حيث فقدت الأشياء طعمها، واللحظات معناها، والأيام قيمتها.

في البداية، كنت أركض خلف الأحلام بكل شغف، أبنيها بعناية، أرتّبها كما يرتّب الرسام لوحته، وأرسم لها طرقًا واضحة في ذهني. كنت أؤمن أنني قادر على الوصول، أنني قادر على الاحتفاظ بكل شيء جميلٍ يمرّ في حياتي. لكن الأحلام، كما الأصدقاء، كما الأوقات السعيدة، لا تبقى كما هي. بعضها يخبو ببطء حتى يذوب في زحام الحياة، وبعضها يتلاشى فجأة دون إنذار، تاركًا خلفه فراغًا لا يُملأ، وجعًا لا يُنسى.

أما الأصدقاء، فأين هم الآن؟ كانوا يومًا يشغلون مساحاتي كلها، نضحك، نتشارك الحكايات، نخطط لأيامٍ لم تأتِ أبدًا. ثم جاء الفراق بصورٍ مختلفة، بعضهم اختفى في زحمة الحياة، وبعضهم انطفأ في ألبوم الذكريات، وبعضهم لم يعد يعنيه أمري. لم أعد أبحث عن الأسباب، لم أعد أسأل لماذا تغيرت الأشياء، لأنني وصلت إلى مرحلة أصبح السؤال فيها بلا معنى، كما لو أنني أعرف الجواب مسبقًا: هكذا هو العالم، هكذا تمضي الحياة، وهكذا تتساقط الأشياء من بين أيدينا دون أن نشعر.

والآن، أنا هنا، وسط رماد الأحلام، وأطلال الذكريات، أقف في مساحة لا طعم لها ولا لون. الأشياء التي كانت تثير الحماس في داخلي لم تعد تفعل، الأماكن التي كنت أهرب إليها فقدت دفئها، واللحظات التي كنت أنتظرها بشوق أصبحت تمرّ بلا أثر.

لا شيء يهم، ولا شيء يستحق المحاولة. هذه ليست مجرد حالة مؤقتة، بل حقيقة تترسخ يومًا بعد يوم. حتى الحزن لم يعد صافيًا كما كان، أصبح باردًا، بلا طعم، بلا دموع، بلا تفاصيل حقيقية. فقط شعور ثقيل يسكن القلب، يأكل الأيام ببطء، يجعل كل شيء يبدو رماديًا، حتى أكثر الأشياء التي كانت تلمع يومًا في عيني.

لا أعرف متى بدأ كل هذا، ولا متى سينتهي. لكنني أدرك أنني لم أعد أملك القدرة على الإمساك بأي شيء، كما لو أنني أقف على ضفة نهر وأرى كل ما أملك ينساب بعيدًا، دون أن أستطيع اللحاق به، أو حتى الحزن عليه كما يجب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى