حبٌّ بلا ملامح

لينا عبدالغفور
كان يأتي من حيث لا أدري،
كأنّ الريح تحمل اسمه دون أن تنطقه،
وكأنّ قلبي يعرفه قبل أن يراه.
كنتُ أشعر به يتسلّل إلى أفكاري بهدوء،
كما يتسلّل الضوء عبر شقوق الستائر،
يملؤني دون أن يترك أثرًا واضحًا.
لم يكن له وجهٌ أعرفه،
ولا ابتسامةٌ أُطابقها في الذاكرة،
لكنّه كان هناك — في الفراغ بين نبضتين،
في الحرف الذي لم يُكتب،
وفي تلك المسافة الغامضة بين الحلم واليقظة.
أحيانًا كنت أسمع صوته في صمت الأشياء،
في ارتعاشة كوب الماء،
أو في نغمةٍ ضائعةٍ من موسيقى لم أعزفها بعد.
كنت أظنّه وهمًا،
لكنه كان أصدق من كثيرٍ ممّن يحيطون بي.
كان حبًّا بلا ملامح،
لكنّ له حضورًا يربكني،
كأنّ روحي تعرفه منذ زمنٍ سحيق،
تتذكّره دون أن تتذكّر متى كان اللقاء الأوّل.
وحين حاولتُ أن أمنحه شكلًا،
انكسر المعنى،
كأنّ الملامح تفسد السرّ،
وكأنّ الوضوح خيانةٌ لما هو أعمق من العين والقلب معًا.
ذلك الحبّ لم يكن عابرًا،
كان أشبه بندبةٍ خفيّةٍ على الروح،
لا تراها، لكنّك تشعر بها كلّما مرّ نسيمٌ يشبهه.
هو لا يُطلَب، ولا يُفسَّر،
إنّه كالماء حين يلمس الرمل…
يترك الأثر ويمضي،
يمنحك حياةً لا تعرف من أين جاءت،
ثمّ يرحل بصمتٍ كأنّه لم يكن.
ربّما كان حلمًا لم يكتمل،
أو وعدًا بين روحين التقَتا قبل الخلق،
وتعاهدا أن يبحث كلٌّ منهما عن الآخر
في زمنٍ لا ملامح له.
وربّما… ما زال هنا،
في زاويةٍ من الوقت لا تطالها الذاكرة،
ينتظر أن ألتفت — مرّةً أخرى —
فأجده يبتسم… دون ملامح.



