خليفة سالم الغافري
في زحمة الحياة اليومية وضجيجها المستمر، يبحث الإنسان عن موطن لا يُقاس بمساحته الجغرافية فقط، بل بعمق الراحة والسكينة التي يجدها فيه قلبه وروحه. قد تظن أن الوطن هو مكان ولادتك، أو المدينة التي نشأت فيها، أو الأرض التي تحميك، لكن الحقيقة أن الوطن الحقيقي هو ذلك الفضاء الداخلي حيث تلتقي مع نفسك في سلام، وتشعر بأنك في بيتك مهما كانت المسافات.
حينما تجد في مكان ما ذلك الشعور العميق بالطمأنينة، ذاك الهدوء الذي يخفف عنك ضغوط الحياة، ويعيد ترتيب أفكارك، ويملأ قلبك بالأمان، فاعلم أن هذا هو وطنك الحقيقي. ليس الوطن مجرد جدران وأبنية، بل هو إحساس، هو دفء تلتقي فيه مع روحك، هو ملجأ لا تحتاج معه إلى تبرير أو شرح. حيثما وجدت تلك السكينة، مهما كانت بعيدة أو غير متوقعة، اقبله وأقم فيه، فهو موطنك الذي تبحث عنه.
في هذا الزمن الذي تشتت فيه الروح بين المسؤوليات الاجتماعية، والأعباء النفسية، والتغيرات المتسارعة، يصبح إيجاد هذا الموطن الداخلي ضرورياً للبقاء. فالإنسان الذي يعيش بلا موطن داخلي يشعر كالغريب في حياته، كمن يسير في دروب لا تنتهي بلا هدى. لكنه حين يستقر في ذلك المكان من نفسه حيث تلتقي سكينته، يعود ليكون مركز حياته، ومرجعا للسلام الذي يفيض على محيطه.
السكينة ليست رفاهية، بل هي أساس الصحة النفسية والاجتماعية، وركيزة بناء العلاقات المتينة مع الآخرين. فحين تعيش بسكون داخلي، تنبعث من كلماتك وحركاتك هالة من الاطمئنان تجذب من حولك، وتفتح لك أبواب المحبة والتفاهم. وفي النهاية، يكون الوطن الحقيقي هو ذلك الذي نحتفظ به في صدورنا، ونصنعه بأنفسنا في أماكن وأوقات نجعل فيها من السلام رفيقًا دائمًا.
فأينما وجدت سكينة روحك أقم، واسمح لنفسك أن تستقر، لتكون لك حياة ذات معنى، ولتكون موطنك رسالة للآخرين بأن السلام يبدأ منك ومن حيث تستقر روحك.
