Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المقالات

محمد منيع ابوزيد يكتب الوعد والعهد: ميزان الإيمان وسقوط القيم بين صفاء القلوب وخيانة النفوس

محمد منيع ابوزيد

الوعد والعهد في دين الله عز وجل ليسا مجرد كلمات تُقال في لحظة حماس أو عاطفة، ولا بنودًا تكتب على الورق ثم تُنسى، بل هما أمانة عظيمة وميثاق غليظ، يحمل صاحبهما مسؤولية أمام الله عز وجل قبل أن يحملها أمام البشر.

فالكلمة في ميزان الإسلام دينٌ في عنق صاحبها، تُكتب في صحيفته، وتنتظره يوم القيامة ليُسأل عنها. قال الله عز وجل:

“مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”

(سورة ق: الآية 18).

وقد جعل الله عز وجل الوفاء بالعهد من صفات عباده المؤمنين، ونقضه من صفات أهل النفاق والغدر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”

(متفق عليه).

ولهذا كان العهد في الإسلام شرفًا لا يفرط فيه إلا ساقط المروءة، وميزانًا يزن به الله صدق العبد في إيمانه.

الفصل الأول: مكانة الوعد والعهد في القرآن الكريم

القرآن الكريم أعلى من شأن الوفاء، وجعله من أوضح علامات الإيمان، وأمر به أمرًا مطلقًا. قال الله عز وجل:

“وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا”

(سورة الإسراء: الآية 34).

وقال الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين:

“الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ”

(سورة الرعد: الآية 20).

وفي المقابل، ذم سبحانه من ينقضون عهودهم، وبيّن أن ذلك سبب للعنة وقسوة القلب، فقال الله عز وجل:

“فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً”

(سورة المائدة: الآية 13).

هذه النصوص تُظهر أن العهد ليس مسألة شكلية، بل هو عبادة والتزام أمام الله عز وجل، يُسأل عنه صاحبه يوم القيامة.

الفصل الثاني: الفرق بين الوعد والعهد

الوعد: هو التزام يقطعه المسلم على نفسه غالبًا من طرف واحد، وقد يكون بدافع المروءة أو المحبة أو الإحسان. الوفاء به من مكارم الأخلاق، وقد يكون واجبًا إذا تعلق به حق للغير.

العهد: هو ميثاق بين طرفين أو أكثر، يوثق قولًا أو كتابة، ويأخذ في الإسلام صفة الأمانة العظمى. نقضه يعد من الكبائر لما فيه من الغدر والخيانة، خاصة إذا كان باسم الله عز وجل أو في شأن من شؤون المسلمين.

الفصل الثالث: أمثلة قرآنية في الوفاء ونقض العهد

1. وفاء نبي الله إسماعيل عليه السلام

قال الله عز وجل:

“وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا”

(سورة مريم: الآية 54).

ذكر المفسرون أنه وعد رجلًا أن يلقاه في مكان، فانتظره ثلاثة أيام حتى جاء، فكان مثالًا في الصبر والوفاء.

2. نقض بني إسرائيل للميثاق

قال الله عز وجل:

“وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ… ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ…”

(سورة البقرة: الآيتان 84-85).

لقد خانوا ما عاهدوا الله عليه، فاستحقوا غضبه وعقوبته.

الفصل الرابع: الوفاء في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

1. صلح الحديبية

عندما أبرم النبي صلى الله عليه وسلم الصلح مع قريش، التزم بشروطه تمامًا، رغم أن بعض الصحابة رأوا فيه إجحافًا بالمسلمين، لأنه عهد وميثاق يجب الوفاء به.

2. رد الأمانات يوم الهجرة

ترك النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة ليرد ودائع قريش إلى أصحابها، رغم أنهم كانوا يحاربونه، ليؤكد أن الأمانة والوفاء لا يسقطان بالعداوة.

الفصل الخامس: نماذج من تاريخ الإسلام في الوفاء بالعهد

1. العهدة العمرية

عندما فتح المسلمون بيت المقدس في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتب لهم وثيقة تضمن لهم الأمان على أنفسهم وكنائسهم وأموالهم، وحافظ عليها المسلمون قرونًا.

2. عهد أبي عبيدة بن الجراح مع أهل حمص

حين انسحب المسلمون مؤقتًا من حمص، أعاد أبو عبيدة الجزية لأهلها قائلًا: “إنما أخذناها مقابل حمايتكم، وقد عجزنا عن ذلك”، فبكوا وقالوا: “ردكم الله إلينا ونصركم على من عاداكم”.

3. صلاح الدين الأيوبي بعد فتح القدس

بعد انتصاره، أبرم اتفاقًا مع الصليبيين يقضي بالأمان لمن دفع الفدية، ورفض نقضه رغم ماضيهم في الغدر.

الفصل السادس: الأحكام الشرعية للوفاء بالعهد

• الوفاء بالعهد واجب شرعي، لا يجوز نقضه إلا إذا نقضه الطرف الآخر أو كان في معصية.

• الوعد بالخير مستحب، وقد يكون واجبًا إذا تعلق به حق للغير.

• العهود مع غير المسلمين يجب الوفاء بها ما داموا ملتزمين بها.

الفصل السابع: آثار الوفاء ونقضه

آثار الوفاء

• رضا الله عز وجل.

• غرس الثقة بين الناس.

• البركة في العمر والرزق.

آثار النقض

• غضب الله عز وجل.

• ضياع المصداقية.

• انهيار العلاقات الاجتماعية.

الفصل الثامن: إصلاح واقعنا

• غرس قيمة الوفاء في النشء منذ الصغر.

• سن قوانين صارمة ضد الغدر والخيانة.

• نشر القدوات الملتزمة بالعهد، وإبرازهم في الإعلام والتعليم.

الخاتمة

الوعد والعهد في الإسلام عبادة وشرف، لا يليق بالمؤمن أن يستهين بهما. من حفظهما حفظ الله عليه دينه ودنياه، ومن خان فيهما خان نفسه قبل أن يخون غيره.

قال الله عز وجل:

“وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ”

(سورة التوبة: الآية 111).

فلنحرص أن تكون كلمتنا أمانة، وعهدنا دينًا، حتى نلقى الله عز وجل ووجوهنا مشرقة، ونكون من الذين قال فيهم سبحانه:

“مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ”

(سورة الأحزاب: الآية 23)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى