Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
من ذكراهم

أسعد بن حمزة شيرة.احد روّاد الخدمة في المدينة المنوّرة

محمد منيع ابوزيد

محمد منيع ابوزيد

رجلٌ من طيبة عاش للمدينة وخدمها بإخلاص

يُعدّ الشيخ أسعد بن حمزة بن محمد بن سليمان شيرة – رحمه الله – أحد أبرز رجالات المدينة المنوّرة الذين جمعوا بين الأصالة والخدمة العامة والإخلاص في العمل، فكان نموذجًا للرجل المدني الذي نذر عمره لخدمة الأوقاف وضيوف الرحمن ومؤسسات المدينة المباركة.

ارتبط اسمه بمهنة الأدلاء وإدارة الأوقاف والمكتبات، وساهم في تطوير منظومة العمل الخيري والإداري في المدينة المنوّرة على مدى عقودٍ من الزمن.

السيرة الذاتية

وُلد الشيخ أسعد حمزة شيرة في المدينة المنوّرة عام 1351هـ، ونشأ في أسرةٍ مدنيةٍ كريمةٍ عُرفت بخدمة الحجاج والزوار والارتباط الوثيق بالمجتمع المدني.

تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة النجاح بالمدينة المنوّرة، ثم أكمل تعليمه الثانوي في ثانوية طيبة، وحفظ القرآن الكريم كاملًا على يد فضيلة الشيخ فتح الله البخاري – رحمه الله – الذي كان من أبرز قرّاء المدينة في ذلك الوقت.

البدايات العملية والمسيرة الإدارية

بدأ الشيخ أسعد حياته العملية محاسبًا في الشركة العربية للسيارات، ثم انتقل مديرًا لفرع شركة عبدالعزيز كعكي للسيارات العاملة في مجال نقل الحجاج، وهي من كبرى الشركات في ذلك الوقت.

ولكفاءته وتميّزه، انتُخب عضوًا في المجلس الإداري بالمدينة المنوّرة لدورتين متتاليتين، كما انتُخب عضوًا في المجلس البلدي، حيث كان فاعلًا في الملفات الخدمية والتنظيمية، جامعًا بين الخبرة الإدارية والرؤية الاجتماعية.

محطات مشرقة في إدارة الأوقاف

مع إنشاء أول وزارة للحج والأوقاف في المملكة، عُيّن الشيخ أسعد مفتشًا مركزيًا في إدارة أوقاف المدينة المنوّرة، ثم تدرّج في المناصب حتى تولّى مهامًا قيادية بارزة، من بينها:

  • مدير إدارة الصيانة والمشروعات.
  • مدير إدارة غلال الأوقاف.
  • وكيل إدارة الأوقاف.
  • مدير عام الأوقاف والمساجد بالمدينة المنوّرة.
  • نائب رئيس مجلس أوقاف المدينة المنوّرة.

وقد عُرف خلال تلك المرحلة بدقته في العمل وحكمته في الإدارة، وساهم في تطوير منظومة الأوقاف وتنمية مواردها وتفعيل دورها المجتمعي، بما يخدم بيوت الله والمجتمع المدني.

إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالمدينة المنوّرة

بعد سنوات من العطاء في قطاع الأوقاف، انتقل الشيخ أسعد شيرة ليعمل مديرًا لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة في المدينة المنوّرة، حيث قدّم نموذجًا للإدارة الواعية التي تجمع بين خدمة الباحثين وتنظيم الموارد المعرفية.

فتح أبواب المكتبة لطلاب العلم والمهتمين بالتاريخ والتراث، وأسهم في إثراء بيئتها العلمية والثقافية، حتى أصبحت وجهةً للباحثين في تاريخ المدينة النبوية ومخطوطاتها.

أخلاق نبيلة ومواقف إنسانية لا تُنسى

لم يكن الشيخ أسعد بن حمزة شيرة إداريًا ناجحًا فحسب، بل كان إنسانًا نادر المثال في أخلاقه وتعامله مع الناس. جمع بين الحزم في العمل والرحمة في الموقف، وبين القيادة الإدارية والتواضع الشخصي.

عُرف بحرصه على قضاء حوائج المحتاجين، ومتابعته الدقيقة لشؤون العاملين معه، واهتمامه الدائم بكبار السن والمتقاعدين، حتى إنه كان يوصل رواتبهم شهريًا إلى منازلهم بنفسه عندما يتعذّر عليهم الحضور، في مشهدٍ يعكس نُبل معدنه وصفاء سريرته.

كان قريبًا من الجميع، لا يميّز بين موظفٍ صغيرٍ أو مسؤولٍ كبير، يقدّر الجهد، ويشكر العطاء، ويعامل الناس بخلقٍ رفيعٍ نابعٍ من إيمانه بأن الخدمة تكليف قبل أن تكون تشريفًا.

ريادة في مهنة الأدلاء وخدمة ضيوف الرحمن

عُرف الشيخ أسعد بانتمائه لعائلةٍ مدنيةٍ عريقةٍ ارتبط اسمها تاريخيًا بمهنة الأدلاء، إذ كانت أسرته من أوائل من مارسوا هذا العمل الشريف في خدمة الحجاج والمعتمرين.

وكان من أوائل نواب رؤساء مجالس إدارة المؤسسة الأهلية للأدلاء بالمدينة المنوّرة، بل وأول نائب في أول مجلس إدارتها بعد تأسيسها، حيث عمل نائبًا للسيد إبراهيم الرفاعي – أول رئيس للمؤسسة – وأسهم في وضع الأسس والقواعد والأنظمة التنظيمية التي قامت عليها المؤسسة في بداياتها.

كما عُيّن عضوًا ونائبًا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة لعدة دورات متتالية، ورشّحه معالي وزير الحج والأوقاف آنذاك الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع – رحمه الله – ليكون رئيسًا لهيئة الأدلاء بالمدينة المنوّرة خلفًا للشيخ صالح فضائلي.

وتولّى رئاسة الهيئة التي كانت بمثابة هيئة قضايا وتنظيم تتولى النظر في شؤون الأدلاء وتوريث المهنة.

وكان أيضًا عضوًا في الهيئة العليا للطوائف بوكالة وزارة الحج، وعضوًا في الهيئة الاستشارية لشؤون الطوائف.

مكانة اجتماعية وسيرة خالدة

عُرف الشيخ أسعد بن حمزة شيرة – رحمه الله – بتواضعه ودماثة خلقه، وحسن تعامله مع الجميع.

كان محبوبًا بين زملائه ومرؤوسيه، يجمع بين الحزم الإيجابي واللطف الإنساني، ويحرص على أداء واجبه بإخلاصٍ ومسؤوليةٍ عالية.

وظلّ طوال حياته وفيًّا لمدينته، مخلصًا لأهلها وزوّارها، مؤمنًا بأن الخدمة شرفٌ وأمانة، وأن الوفاء للمدينة المنوّرة عملٌ لا يُقاس بالسنوات بل بالأثر الطيب الذي يتركه الإنسان في الناس.

رحيله وإرثه الباقي

انتقل الشيخ أسعد بن حمزة شيرة إلى جوار ربه يوم الأربعاء 13 شوال 1439هـ (2018م)، بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء والإخلاص.

وقد صُلّي عليه في المسجد النبوي الشريف، وشيّعه أهالي المدينة وزملاؤه وطلّاب العلم في مشهدٍ مهيبٍ يليق بسيرته ومكانته.

وظلّ اسمه بعد وفاته حاضرًا في ذاكرة المدينة، وفي سجلات مؤسساتها التي شارك في بنائها وتطويرها، شاهدًا على مرحلةٍ من مراحل الإخلاص الإداري والخدمة الإنسانية الراقية.

وفاء ودعاء

رحم الله الشيخ أسعد بن حمزة شيرة، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن المدينة المنوّرة وأهلها وزوّارها خير الجزاء.

لقد ترك وراءه إرثًا من العمل الصالح والإخلاص في الأداء، وسيبقى اسمه جزءًا من تاريخ المدينة الذي يرويه أهلها جيلاً بعد جيل.

نسأل الله أن يجعل ما قدّمه في موازين حسناته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما بذله من خدمةٍ لبيوت الله وضيوف الرحمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى