أين كنتم حين كنت حياً؟


خليفة سالم الغافري
من المفارقات المحزنة في حياتنا أن نجد الناس يتسابقون لحمل نعش الميت ودفنه، في الوقت الذي كانوا فيه غائبين تمامًا عن حياته، عن لحظات ضعفه ومرضه واحتياجه. يقيمون له جنازة مهيبة، ويذرفون الدموع عند قبره، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء زيارته عندما كان على قيد الحياة، حين كان في أشد الحاجة إلى كلمة طيبة، إلى لمسة حنان، إلى دعم يسند وحدته.
كم من مريض احتاج إلى من يواسيه فلم يجد؟ كم من فقير انتظر يد العون فلم تأتِ؟ كم من مسنٍّ جلس وحيدًا في بيته، يُمني نفسه بزيارة قريب أو صديق، لكن أبوابهم كانت موصدة في وجهه؟ ثم، ما إن يفارق الحياة، حتى يهرع الجميع، متباكين، متسابقين لحضور جنازته، وكأنهم يبرئون أنفسهم من تقصيرهم تجاهه!
ليس هناك فائدة من أن تحملني يوم موتي إذا لم تطمئن عليّ وأنا حيّ. لا معنى أن تسير خلف جنازتي مسافات طويلة، إذا كنت غير مستعدّ لقطع أمتار قليلة لزيارتي وأنا أحتاج إليك.
الحياة ليست فقط لحظات وداع ومجالس عزاء، بل هي تواصل ورحمة واهتمام. التفقد والسؤال عن الآخرين لا يحتاج إلى مناسبة أو مصيبة تدفعنا إليه، بل يجب أن يكون نهجًا إنسانيًا أصيلًا في حياتنا. فكم من كلمة طيبة أنقذت إنسانًا من ألم الوحدة، وكم من زيارة صادقة أعادت الأمل إلى قلب يائس، وكم من عطاء صغير كان سببًا في تخفيف معاناة محتاج.
لنجعل من محبتنا للآخرين شيئًا ملموسًا في حياتهم، وليس مجرد كلمات جوفاء تقال بعد فوات الأوان. لا تنتظر أن تفقد أحدهم لتشعر بقيمته، بل احرص على أن يكون وجودك في حياته نورًا يبدد عتمته، وسندًا يخفف آلامه. فالمحبة الحقيقية تُقاس بالعطاء في الحياة، وليس بالبكاء عند الموت.