المدارس الذكية.. حاضر يصنع المستقبل


منى يوسف حمدان الغامدي
في رحلة عملية وتعليمية إعلامية إلى العاصمة الرياض، كانت الأوقات عامرة بالعلم والمعرفة وتبادل الخبرات، حيث جمعتني الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) تحت مظلة جامعة الملك سعود – هذه الجامعة العريقة التي تعد منارات الفكر والمعرفة – بصفوة من العقول الوطنية التي تسعى لنشر الفكر التربوي والتعليمي المتخصص.
ومن خلال منصة بودكاست جستن، كان حديثي حول موضوع “المدارس الذكية ورفع نواتج التعلم”، لنبحر معًا في عالم معرفي يضعنا أمام نموذج حديث للتعليم يستند إلى الدمج بين التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية والبرمجيات التعليمية المتقدمة. المدارس الذكية لم تعد خيارًا مستقبليًا، بل واقعًا يهدف إلى تحسين تجربة التعلم، وتقديم تعليم مخصص يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل بيانات الطلاب لتوفير مسارات فردية تناسب احتياجات كل طالب.
المدرسة الذكية: منظومة قيم ومعارف
المدرسة الذكية ليست مجرد قاعات افتراضية أو أجهزة تقنية، بل منظومة متكاملة تسعى إلى بناء جيل يمتلك المهارات والمعارف والقدرات التي تؤهله للنجاح في المستقبل.
فهي تركز على:
- التعلم التعاوني: كإستراتيجية تشجع على العمل الجماعي.
- التقييم الذكي: عبر أدوات رقمية تقدم تغذية راجعة فورية.
- الأنشطة الطلابية: التي تتحول إلى مختبر حي لتجريب القيم وترسيخ المواطنة، إذ أن القيم تُمارس ولا تُدرس.
بهذا يصبح الطالب أكثر وعيًا وفكرًا، وتغدو الأخلاق أسلوب حياة لا مجرد كلمات
المعلم حجر الأساس
المعلم الذكي ليس من يستخدم التقنية فقط، بل من يحولها إلى جسر يصل به إلى عقول وقلوب طلابه. دوره لم يعد ناقلًا للمعرفة، بل ميسرًا ومبتكرًا وموجهًا.
ويأتي التطوير المهني والتدريب على تقنيات الذكاء الاصطناعي كضرورة، لأنه عندما نعلم طلابنا كيف يفكرون لا ماذا يفكرون، فإننا نمنحهم مفاتيح الإبداع والابتكار والحرية معًا
شراكة المدرسة والمجتمع
التعليم الحقيقي لا يكتمل بالمدرسة وحدها ولا بالمجتمع وحده، بل بتكاملهما. حين تتضافر الجهود يصبح التعليم نابضًا بالحياة، غنيًا بالقيم، ومُلهمًا للأجيال. حينها لا تقتصر مؤشرات نواتج التعلم على إدخال التقنية، بل تتحقق من خلال رؤية شمولية تجعل الطالب محور العملية التعليمية، والمعلم قائدًا للتغيير، والأسرة والمجتمع شركاء في النجاح
محطة فارقة في مسيرتي المهنية
كانت مشاركتي في بودكاست جستن محطة فارقة في مسيرتي الممتدة لأكثر من ثلاثين عامًا في التعليم والقيادة والإشراف. فرصة لأعرض خبراتي المتراكمة في منبر وطني عريق له قيمته العلمية والإقليمية.
أجدّد امتناني لكل من قدم الدعوة ووضع ثقته، ولكل من أسهم في التنظيم والإعداد والإخراج بهذا التميز والاهتمام بالتفاصيل. ولا يفوتني أن أذكر كلمة حق في حق سعادة البروفيسور فايز الفايز رئيس مجلس إدارة جمعية العلوم التربوية والنفسية (جستن)، الذي عرفته منذ سنوات طويلة كقامة علمية كبيرة في جامعة الملك سعود، فكان ولا يزال قائدًا متواضعًا يعمل بحرفية وانتماء.
كما أشكر الدكتورة فضة العنزي التي رشحتني لهذا البودكاست المتخصص، وهي من نساء الوطن المخلصات اللواتي يقدمن العمل بحب واقتدار. ولا أنسى المحاور الأستاذ رياض الزهراني الذي أدار الحوار باحترافية، مضيفًا إليه ثراءً مستمدًا من خبرة مهنية تراكمية قريبة جدًا من تجربتي العملية
ختامًا
أدركت أن الله يؤلف بين الأرواح المتآلفة والعقول المتجانسة لتحقيق الأهداف متى ما أخلصت النيات. ممتنة للمولى عز وجل، ولإدارة التعليم بالمدينة المنورة التي أنتمي إليها، ولكل من دعم هذه التجربة وأتاحها لي.
فالوطن يستحق الكثير، وينتظر منا المزيد من العطاء المتجدد. ومع المدارس الذكية، لا نرفع فقط مؤشرات نواتج التعلم، بل نرفع سقف الأحلام ونبني مستقبلًا تنافسيًا عالميًا يليق برؤية وطن عظيم