نجوت بصعوبة


✍️بقلم: زينة سليم البلوشي
إهداء
إلى أولئك الذين واجهوا الصعوبات والتحديات في حياتهم، وإلى الذين صمدوا في وجه العواصف وتجاوزوا الصدمات، إلى أولئك الأبطال الشجعان الأقوياء الذين لم يستسلموا رغم ما واجهوه من عقبات وآلام، وإلى ذلك النور الذي كان دائمًا حاضرًا في أصعب الظروف وأحلك الأوقات ليضيء لنا الحياة. إلى كل من عانى وصبر وتحمل ورفض الاستسلام للانكسار، إلى الذين استمدوا قوتهم من تجاربهم القاسية، وإلى الذين حوّلوا آلامهم إلى دروس ثمينة يتعلمون منها. هذه ليست مجرد قصة، بل هي دعوة لكل إنسان ليعرف ما هي الإرادة البشرية وقدرتها على تجاوز العقبات والتحديات، ولنستمد القوة والشجاعة من هذه القصة التي تحمل رسالة إلهام لكل من يسعى لمواجهة مخاوفه، وليدرك أن العقبات مهما كانت قاسية ليست النهاية.
المقدمة
في زحمة الحياة يمر كل واحد منا بلحظات قد تغيّر مجرى حياته أو تدمّرها. لحظات مؤلمة تمتلئ بالخوف والقلق وتسرق الراحة من قلوبنا. في تلك اللحظات نشعر وكأن الحياة تعاندنا وتريد تحطيمنا من كل جانب. لكن وسط هذه العتمة، ينبعث دائمًا شعاع أمل، كنور يضيء لنا الطريق في الظلام. هذه القصة تحكي عن فتاة في مقتبل العمر تدعى سعاد، واجهت مشاعرها المظلمة لتكتشف أن كل تجربة صعبة ومؤلمة تحمل في طياتها دروسًا ثمينة. فلنرافقها لنعرف كيف يمكن للإيمان والثقة بالنفس والشجاعة أن تفتح أبوابًا لم نكن نعرفها، وتقودنا إلى آفاق لم نتخيلها من قبل.
وهنا تبدأ الحكاية:
كانت سعاد في العشرين من عمرها، تعيش مع والديها في مدينة كبيرة وصاخبة. بدت دائمًا من الخارج قوية وشجاعة ومستقلة، لكنها في داخلها كانت تحمل مشاعر متناقضة. فقدت قبل عامين صديقتها المقرّبة سلمى، صديقة الطفولة التي شاركتها أعوامًا طويلة من الضحكات والأسرار. كان فقدها فاجعة تركت في قلب سعاد أثرًا لا يُمحى. حاولت أن تبتسم وتتصرف كأنها بخير، لكن الحزن كان يسيطر عليها كعاصفة لا تهدأ. شعرت بالوحدة والقلق، وكأنها تعيش في ظلام دائم لا تستطيع تجاوزه.
في أحد الأيام قررت الخروج إلى الشاطئ لعل الهواء النقي يخفف من ثقل مشاعرها. جلست تتأمل الأطفال يلعبون، والأسر مجتمعين، والبحر الممتد بلا نهاية. لكنها شعرت بالانكسار، فقد اجتاحتها ذكريات سلمى، تلك الروح التي لم تكن تفارقها. تسللت دموعها من عينيها اللامعتين، وبكت طويلًا حتى شعرت بالانهيار. وبعد ساعات من البكاء، قررت أن الوقت قد حان لتغيير مسار حياتها، فتذكرت نصيحة والدتها سالمة: “يا بنيتي، البكاء ليس ضعفًا بل هو قوة. عبّري عما بداخلك ولا تخجلي أبدًا من مشاعرك، فالكتمان يدمّر الإنسان.”
عادت سعاد إلى المنزل، وقررت أن تبدأ بخطوة صغيرة: التدوين. فتحت دفترها وبدأت تكتب عن مشاعرها وذكرياتها مع سلمى، فشعرت وكأنها تنقل ثقلها من قلبها إلى الورق. مع كل كلمة كانت تكتبها، أحست أن حملها يخف تدريجيًا.
بعد أيام من الكتابة والتأمل، قررت سعاد أن تنضم إلى مجموعة دعم تضم أشخاصًا فقدوا أحبّاءهم. كانت الخطوة صعبة لكنها ضرورية. وهناك، التقت بآخرين يتشاركون الألم ذاته، وبدأت تحكي وتستمع. وجدت في كلماتهم عزاءً، وشعرت بالانتماء والراحة. أدركت أنها ليست وحيدة، وأن الألم جزء من حياة الجميع. ومع مرور الوقت، تعلمت كيف تعبر عن مشاعرها، واكتشفت أن الحزن يمكن أن يتحوّل إلى قوة.
بدأت سعاد تركز على الذكريات الجميلة مع سلمى، وقررت أن تحتفظ بها كزاد تستمد منه قوتها. وبعد انتهاء فترة اللقاءات، عادت إلى حياتها بروح جديدة. استأنفت هواياتها: الرسم، القراءة، الكتابة، فعاد الفرح شيئًا فشيئًا إلى قلبها.
وذات يوم، وبينما كانت متجهة إلى الشاطئ، صادفت امرأة مسنّة تبكي. جلست معها، استمعت إلى قصتها، واحتضنتها بحنان. حينها شعرت سعاد أن قوتها لم تعد تخصها وحدها، بل أصبحت قادرة على منحها للآخرين. وعندما وصلت إلى الشاطئ هذه المرة، لم يسيطر عليها الحزن، بل شعرت بالسلام والبهجة. ضحكت مع الأطفال وأدركت أنها بدأت تتصالح مع نفسها ومع الحياة.
وفي إحدى الليالي جلست سعاد تكتب في مذكرتها: “التغلب على المشاعر ليس سهلًا، لكنه ممكن. القوة الحقيقية تكمن في مواجهة الألم لا في الهروب منه، والشجاعة هي أن نعبّر عن مشاعرنا بصدق لا أن نكبتها.” ثم غرقت في النوم، وفي حلمها رأت سلمى التي قالت لها: “نجوتِ بصعوبة، لكنك تعلّمتِ أن كل مأساة تحمل درسًا، وأن الأمل يبقى حاضرًا حتى في أحلك اللحظات.”
استيقظت سعاد مبتسمة، عانقت والدتها، وأدركت أن الألم جزء من حياتنا لكنه لا يعني النهاية. علينا أن نصمد، ونتجاوز أحزاننا، ونكافح لنستمر.