Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المقالات

شماعة الأعذار… الهروب الناعم من مواجهة الذات

️ بقلم: ندى إبراهيم الجهني – قلم ناطق

️ بقلم: ندى إبراهيم الجهني – قلم ناطق

في كل زاوية من زوايا أرواحنا، تتدلّى شماعة خفية نعلّق عليها ما نعجز عن مواجهته، ونخفي خلفها كل هزيمة لا نملك شجاعة الاعتراف بها.

نعلّق عليها تأخرنا عن أحلامنا، وتراخينا في التغيير، واستسلامنا أمام أول عقبة، وتقصيرنا في حق أنفسنا والآخرين.

إنها شماعة الأعذار… الوجه الهادئ للهروب، والستار الرقيق الذي نتدثّر به كي لا نبدو عراة أمام الحقيقة.

سردية الأعذار… راحة كاذبة

حين نبدأ بتعليق أول عذر، نفتح الباب لعشرات الأعذار الأخرى.

نقول إننا تعبنا، وإن الظروف لم تكن مواتية، وإن الناس لم يفهمونا، وإن الحياة لم تنصفنا.

شيئًا فشيئًا نصنع لأنفسنا سردية متقنة نرتاح إليها أكثر مما نصدقها، سردية تجعلنا نبدو ضحايا لا مسؤولين، وتجعل الفشل يبدو خارجًا عن إرادتنا.

فننام مطمئنين وقد أقنعنا أنفسنا أننا أبرياء من كل ما حدث.

الحقيقة المرة

لكن الحقيقة أكثر قسوة من ذلك. نحن لسنا ضحايا دائمًا، بل كثيرًا ما نكون المتواطئين الصامتين.

الأعذار لا تُبرّر الضعف، بل تكرّسه. إنها ليست سوى قيود نضعها بأيدينا ونزعم أنها فُرضت علينا.

كلما قلنا: «ليس الوقت مناسبًا» تأخرنا خطوة، وكلما قلنا: «لست جاهزًا» دفنّا شغفنا حيًّا تحت رماد الانتظار.

الألم المتخفي خلف الأعذار

الذين يعيشون خلف الأعذار يظنون أنهم يحمون أنفسهم من الألم، بينما هم في الحقيقة يزرعون الألم في كل لحظة من لحظاتهم.

فالعذر لا يطفئ الندم، بل يضاعفه. إنه يخلق طبقة ناعمة من الراحة المؤقتة، لكن تحتها يتخمّر شعورٌ مرّ بالعجز والخيبة.

الأعذار… مرض نفسي وسلوكي

الأعذار مرض نفسي وسلوكي أكثر مما نعتقد.

إنها طريقة دفاعية للعقل كي يتجنّب الشعور بالذنب أو الفشل.

حين نخاف من المحاولة نصنع العذر، وحين نهرب من التغيير نعلّقه هناك، ونقول لأنفسنا: «سأفعل حين تتحسن الظروف.»

لكن الظروف لا تتحسن، لأنها تنتظر منا أن نتحرك نحن أولًا.

خطوات التحرر من شماعة الأعذار

1. الاعتراف

التحرر من شماعة الأعذار يبدأ من لحظة الوعي.

أن نعترف أننا نحن السبب فيما نحن عليه، وأن نقول لأنفسنا بشجاعة:

«لقد تأخرت لأنني ترددت، خسرت لأنني لم أواجه، فشلت لأنني اخترت السكون.»

الاعتراف لا يُضعف الإنسان، بل يحرّره، لأنه يُعيد له السيطرة على حياته بدل أن يتركها بيد “الظروف”.

2. المواجهة

علينا أن نسأل أنفسنا الأسئلة التي نهرب منها:

ما الذي أخشاه حقًا؟ ماذا لو حاولت وفشلت؟ هل خوفي مبرر أم مجرد تكرار لقصصٍ زرعها الآخرون في رأسي؟

هذه الأسئلة قد تكون مؤلمة، لكنها المفتاح الوحيد لعبورنا من مرحلة الأعذار إلى مرحلة الوعي.

3. الفعل

كل خطوة، مهما كانت صغيرة، تُضعف سطوة العذر.

الكتاب الذي لم تقرأه، الفكرة التي لم تنفذها، العلاقة التي لم تُصلحها، الحياة التي تنتظر أن تبدأها… كلها تبدأ بخطوة واحدة.

العذر يسقط حين تُثبت لنفسك أنك قادر.

4. المحاسبة اليومية

في نهاية كل يوم، قبل أن تنام، اسأل نفسك: ما العذر الذي استخدمته اليوم؟ وكم من الوقت سرق مني؟

ستكتشف أن الأعذار تأكل عمرك بصمتٍ كأفاعٍ ناعمة، لكنك وحدك من يستطيع قطعها من الجذر.

5. الإيمان

الإيمان بأن الله لم يخلقك لتكون ضحية، بل لتكون خليفةً في الأرض، فاعلًا متحركًا لا متفرجًا.

كل إنسان أُعطي عقلًا وقدرة واختيارًا، ومن يملك هذه الثلاث لا يحق له أن يختبئ خلف شماعة الأعذار.

اكسر الشماعة وابدأ

الحياة لا تُدار بالظروف، بل بالعزيمة.

والناجحون ليسوا من حظوا بفرص مثالية، بل من قرروا أن يصنعوا الطريق بأيديهم مهما كان وعِرًا.

الفرق بين من يعيش وبين من ينتظر هو أن الأول كسر شماعته ومضى، والثاني ظلّ يبرر وقوفه حتى صدّق أن الأرض هي من قيدته.

وفي النهاية، كلنا نملك شماعة في زاويةٍ من حياتنا.

لكنها ليست من يعلّقنا، بل نحن من نعلّق عليها ضعفنا.

وكما نختار أن نعيش خلفها، يمكننا أن نختار يومًا أن نكسرها، ونعلّق مكانها وعدًا جديدًا لأنفسنا:

أن لا نبرر بعد اليوم… بل نبدأ.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على ابو هاشم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى