Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المقالات

محمد منيع ابوزيد يكتب الحبّ الذي يعيدك من العدم: حين يولد القلب من أنفاس الغياب

محمد منيع ابوزيد

محمد منيع ابوزيد

حين يستيقظ القلب بعد غيبوبة طويلة

هناك حالات قليلة في الحياة لا ينجو منها القلب كما كان،

حالات تمسّ العمق حتى العظم، تقتلعك من رمادك وتعيدك طفلًا نقيًّا.

تلك هي حالة الحبّ الذي يعيدك من العدم إلى الوجود.

حبّ لا يشبه القصص، ولا الأغنيات، بل يشبه الميلاد بعد الموت

كم من الناس يعيشون حياتهم كاملة دون أن يعرفوا طعم هذه العودة!

وكم من الأرواح تمشي على الأرض، تتنفس وتتحرك، لكنها بلا حياة حقيقية،

تنتظر تلك الشرارة، تلك النظرة، ذلك الصوت الذي يقول للروح:

“قومي، قد آن لك أن تعيشي.”

حين يصبح الإنسان حياةً لإنسان آخر

في ليلةٍ ساكنة، كنتُ أستمع إلى أغنية قديمة لفنانة عربية،

أغنية لم أكن أنتبه لكلماتها من قبل.

لكن هذه المرة، كنتُ أسمعها بقلبي لا بأذني،

وكأن شيئًا ما في داخلي ينهض من سباته، يستيقظ، يتنفس

تقول الأغنية:

“اللي كان من قبلك انت

وانت مش جنبي مكنتش عايشة فيه

واللي حيكون بعدك انت

لو مكنتش انت فيه يا ريتني أموت قبليه”

توقفت عندها طويلًا…

كم من المعاني تختبئ خلف هذه الكلمات البسيطة!

إنها ليست مجرد غزل، بل وصف دقيق لحالة وجودية نادرة:

أن يتحوّل إنسان إلى حياةٍ كاملة لإنسان آخر.

أن يصبح وجوده هو التعريف الجديد للهواء،

هو السبب الوحيد لأن تفتح عينيك كل صباح.

هو الأمان وسط الفوضى، والعطر في زحام الأيام، والمعنى في الفراغ الطويل.

الحبّ الذي يوقظ ما كان نائمًا فينا

هناك حبّ لا يأتي به المنطق، بل يأتي كالمعجزة.

حبّ لا يطرق الباب، بل يقتحم القلب بهدوءٍ مدهش،

ويوقظ فيك كل ما كنت تظنه ميتًا.

يُعيد ترتيب ذاكرتك، يجعل الماضي بلا طعم،

والحاضر مكتملًا به، والمستقبل معلّقًا عليه.

هذا هو الحبّ الذي تتحدث عنه نانسي في تلك الأغنية،

الحبّ الذي يجعل الإنسان يقول بصدقٍ مذهل:

“ما كنت أعيش قبلك، كنت فقط أتنفس بلا روح.”

اللحظة التي تتجاوز المنطق

من يعيش هذه الحالة يفقد اتزانه الجميل.

لا يعود يرى بعينه، بل بروحه.

لا يسمع الكلمات، بل يقرأ المشاعر خلفها.

إنه جنون عاقل، أو عقل مجنون.

حالة يتوحّد فيها القلب والعقل والنبض في جملة واحدة:

“انت عارف حبك انت عمللي ايه

شفت دنيا أحلى من اللي حلمت بيه

مابقيتش عارفة أنا اتولدت من النهارده

ولا أنا لو عشت قبلك عشت ليه.”

هذه الأبيات ليست أغنية… إنها شهادة ميلاد جديدة.

فيها اعتراف صادق أن الحبّ حين يكون حقيقيًا، لا يضيف إلى حياتك فصلًا،

بل يكتب لك حياة أخرى بالكامل.

كم من الأرواح تتمنى أن تذوق هذا التحوّل

كم من الناس يعيشون أعمارهم دون أن يعرفوا كيف يبدو هذا الإحساس؟

كم من القلوب تشتاق إلى من يجعلها تقول هذه الجملة بصدق:

“أنا اتولدت النهارده.”

نحن نحيا بين وجوه كثيرة، لكن القليل فقط يملك القدرة على

أن يبعثك حيًّا من جديد،

أن يريك العالم بعيونٍ مختلفة،

أن يحوّل كل تعبٍ قديمٍ إلى معنى،

وكل حزنٍ إلى موسيقى دافئة.

هذا هو الحبّ الذي يشبه المعجزة،

الحبّ الذي يجعلنا نرتجف خوفًا من فقده،

وفي الوقت ذاته، نشعر أننا نملك الكون كله به.

حين يصبح الحضور خلاصًا من الاختناق

كم من مرة شعر الإنسان أنه يختنق وسط زحام الحياة؟

ليس من ضيق المكان، بل من ضيق الوجود نفسه.

من تكرار الأيام بلا جديد، من غياب الصوت الذي يحرّك شيئًا داخله.

ثم يأتي ذلك الإنسان،

فيكون حضوره مثل أوّل نفسٍ بعد غرق طويل،

مثل أول ضوء بعد عتمةٍ عمرها سنوات،

مثل وعدٍ نزل من السماء: “ها قد وُلدت من جديد.”

هذا الحضور ليس صدفة، بل نقطة تحوّل،

كأن الله أرسل لك طوق نجاةٍ على هيئة إنسان،

فتمسك به لتصعد من عمق الحياة الميتة إلى سطحها المضيء.

الرومانسية الخطيرة

نعم، هذه الحالة “خطيرة” لأنها تغيّر قوانينك.

تجعلك ضعيفًا كطفلٍ، وقويًّا كإيمانٍ قديم.

تجعلك تبكي من سعادة، وتضحك من وجع.

تجعل من نظرةٍ واحدة حدثًا كونيًا،

ومن كلمةٍ بسيطة انقلابًا داخليًا.

هي رومانسية مفرطة…

ليست في شكل الورد أو الكلمات،

بل في أن تشعر أن الحياة كلها كانت تمهيدًا للحظةٍ واحدة.

ولهذا قال الشاعر في الأغنية:

“مابقيتش عارفة أنا اتولدت من النهارده

ولا أنا لو عشت قبلك عشت ليه.”

أي وصفٍ أعمق من هذا؟

إنه إعلانٌ عن ولادة بعد موت،

واعترافٌ بأن الحبّ ليس تجربة، بل بعث حقيقي للروح.

كم من القلوب تمشي وهي نائمة

في مدننا، في طرقاتنا، في مقاهينا…

كم من الناس يبتسمون وهم في الحقيقة خامدون؟

كم من الأجساد تتحرك بلا نبض،

لأنها لم تجد بعد من يوقظ القلب في داخلها؟

إنها أرواح تائهة تبحث عن “سببٍ للحياة”،

عن اسمٍ يجعلها تشعر أن العالم ليس عابرًا،

عن ملامح تُعيد تعريف الأمان.

هذه الأغنية كانت بمثابة مرآة لكل أولئك الذين ينتظرون العودة.

تقول لهم: هناك حياة لم تعيشوها بعد…

حياة لن تعرفوها إلا حين يأتي “هو” أو “هي”.

من التعب الطويل إلى راحة الوجود

نخرج من علاقاتٍ كثيرة، من خيباتٍ كثيرة،

من محاولاتٍ تشبه الجري وراء السراب.

ونظن أن القلب أُنهك وأن الحب انتهى.

لكنّ الحقيقة أن كل هذا التعب ليس إلا الطريق نحو الحب الحقيقي.

حين يأتي، لا يشبه أي شيء قبله.

لا تحتاج أن تسأل: “هل هذا هو؟”

بل تشعر أن روحك تعرفه قبل أن تراه.

تشعر أن كل ما سبق من تعبٍ كان فقط ليستحق هذا اللقاء.

في قلب هذه الحالة يولد السلام

الحبّ هنا لا يثير الفوضى، بل يهدهدها.

لا يوقظ الصراع، بل يطفئه.

حين تكون مع من تحب بهذه الطريقة، تشعر أن الزمن توقّف قليلًا ليمنحك هدوءًا لم تعرفه من قبل.

تشعر أن يدًا خفية تمسح تعبك،

أن ضوءًا ناعمًا يمرّ على روحك،

أنك أخيرًا في مكانك الصحيح،

حيث لا وجع، ولا خوف، ولا حاجة للتصنع أو الاختباء.

اللحظة التي يتمنى الجميع أن يعيشها

هذه الحالة ليست للجميع، لكنها حلم الجميع.

حلم أن نجد إنسانًا يجعلنا نؤمن بالحياة مرة أخرى،

أن نرى في عينيه نسخة أجمل من أنفسنا،

أن نشعر أننا حين نكون معه لا نحتاج إلى شيء آخر في هذا العالم.

هي لحظة يتمنى البشر جميعًا أن يعيشوها،

حتى أولئك الذين لا يعترفون بها علنًا.

لأن في داخل كل قلبٍ، هناك نداءٌ خافت:

“يا رب، أرسل لي من يعيدني إلى نفسي.”

نداء إلى من لم يحب بعد

يها الذي لم تذق بعد هذا الجنون الجميل،

لا تيأس…

فما زال الله يخبئ لك لحظة ستقلب كل شيء.

لحظة ستقول فيها:

“انت عارف حبك انت عمللي ايه…”

وتبكي لأنك صدقت الكلمة بكل خلية فيك.

الحبّ لا يُطلب في السوق،

ولا يُخطط له في المواعيد،

بل يأتي كالمطر بعد جفافٍ طويل،

يأتي حين تكون مستعدًا للصدق أكثر من أي وقتٍ مضى.

لعلّ وعسى…

في النهاية، هذه ليست أغنية فقط،

بل حالة إنسانية يعيشها من كتبت له الحياة أن يتذوق “الميلاد مرتين”.

مرةً من أمّه، ومرةً من حبٍّ صدق.

هذه الحالة لا تُشترى، ولا تُصطنع، ولا تُتكرر.

إنها عطية نادرة من القدر،

ولذلك يحلم بها الجميع، ويدعو لها الجميع، ويهيم بها الجميع.

ولعلّ وعسى…

أن نجد نحن أيضًا ذلك الإنسان،

أن نجد من يجعلنا نهمس له — لا تصنعًا ولا مجازًا، بل بصدقٍ خالصٍ من القلب:

“اللي كان من قبلك انت

وأنت مش جنبي مكنتش عايش فيه

واللي حيكون بعدك انت

لو مكنتش انت فيه يا ريتني أموت قبليه.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى