Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المقالات

تحيّة إلى صُنّاع الفكر… في يومٍ يحتفي بمن بنى العقول وكتب تاريخ العالم

محمد منيع أبو زيد

محمد منيع أبو زيد

المعلّم… نُقطة البدء في رحلة الحضارة

في الخامس من أكتوبر من كل عام، تتوحّد الإنسانية تحت رايةٍ واحدةٍ من النور:

راية المعلّم، الإنسان الذي صنع بالمعرفة وجود البشرية،

وأثبت أن الكلمة أقوى من السيف، وأن القلم أصدق من التاريخ نفسه.

في هذا اليوم، لا نحتفي بمهنةٍ فحسب، بل برسالةٍ خالدةٍ حملها الرسل والأنبياء والمفكرون والعلماء عبر العصور.

فالمعلّم هو الذي علّم الإنسان كيف ينظر إلى السماء بعين الباحث،

وكيف يقرأ الأرض بعين المتأمل، وكيف يصنع من الحرف حضارةً لا تفنى.

كلّ الحضارات التي عرفها التاريخ بدأت بيدِ معلّم،

وكلّ فكرةٍ عظيمةٍ كانت يومًا درسًا في قلب طالبٍ ألهمه أستاذه.

ولذلك، حين نكرّم المعلّم، فإننا نكرّم الوعي الإنساني ذاته.

المعلّم في الحضارات القديمة – من نقش الطين إلى نقش الوعي

منذ أن بدأ الإنسان تدوين أفكاره على الحجر والطين،

كانت هناك يدٌ تهديه إلى الحرف، وصوتٌ يعلّمه كيف يُعبّر.

في مصر القديمة، كان الكتبة يُعدّون كهنة الحكمة،

يُعلّمون أبناء الملوك الحساب والهندسة واللغة في “بيت الحياة” داخل المعابد الكبرى.

كانوا المؤرخين الحقيقيين للوجود،

فمن دونهم ما كان ليتبقّى من الحضارة المصرية إلا صمت الصحراء.

وفي بلاد الرافدين، ازدهرت مدارس “بيت الألواح”،

حيث كان التلاميذ يتعلّمون الكتابة المسمارية والرياضيات والفلك.

كان المعلّم هناك ذا مكانةٍ مقدّسة،

فهو من يربّي العقل على النظام والروح على الانضباط،

وكان يقال: “قلب المعلّم يكتب ما يعجز الزمان عن محوه.”

أما الصين القديمة، فقد قدّست التعليم باعتباره طريقًا إلى الفضيلة.

وأسّس “كونفوشيوس” أول منظومةٍ فكريةٍ تجعل من المعلّم قائدًا أخلاقيًا للمجتمع.

كان يقول لتلاميذه: “من علّمني حرفًا كنت له عبدًا يومًا.”

ومن هناك، أصبحت الهيبة للمعلّم جزءًا من فلسفة الحياة الآسيوية.

وفي اليونان القديمة، ارتقى التعليم إلى مستوى الفلسفة.

علّم “سقراط” الناس أن الحقيقة لا تُمنح بل تُكتشف،

وأقام “أفلاطون” أكاديميته لتكون بيت الحكمة الأول في أوروبا،

فيما جعل “أرسطو” من التعليم فنًّا لصناعة المنطق والفضيلة.

لقد كان المعلّم في تلك الحضارات صانع النظام الكوني،

يحوّل الفوضى إلى معرفة، والفضول إلى علمٍ خالد.

ولذلك قيل:

“حين يتوقّف المعلّم عن التعليم، تتوقّف الحضارة عن التقدّم.”

المعلّم في الإسلام – النور الذي لا يغيب

حين أشرق الإسلام على البشرية، أتى ليعيد للعقل مكانته وللعلم قدسيته.

فأول ما خاطب الله به نبيّه الكريم كان فعلًا واحدًا يلخّص رسالة الحياة: “اقرأ”.

ومنذ تلك اللحظة، أصبح التعليم عبادة، وأصبح المعلّم وارثًا للأنبياء.

يقول الله تعالى:

«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»

(آل عمران: 164)

وقال النبي ﷺ:

«إن الله لم يبعثني معنّتًا ولا متعنّتًا، ولكن بعثني معلّمًا ميسّرًا» (رواه مسلم).

في صدر الإسلام، تحوّلت المساجد إلى مدارسٍ للعلم والحوار،

والمدينة المنوّرة إلى أول جامعةٍ مفتوحةٍ في التاريخ،

يجلس فيها الصحابة ليتعلّموا القرآن والفقه واللغة والفلك والطب.

ومنها خرج جيل العلماء الذين حملوا مشعل النور إلى العالم كله:

الخوارزمي واضع أسس الجبر،

وابن سينا طبيب الإنسانية،

وابن الهيثم رائد البصريات،

والرازي والفارابي وابن خلدون وغيرهم.

كانوا جميعًا تلاميذ مدرسةٍ علّمت أن العقل عبادة، وأن التعليم تزكية للنفس قبل أن يكون نقلًا للمعرفة.

وهكذا بقي المعلّم في الحضارة الإسلامية صوتًا للرحمة، ولسانًا للعلم، وجسرًا بين الإنسان وربه.

المعلّم في عصر النهضة – باني الإنسان الحديث

مع بزوغ فجر النهضة الأوروبية، كانت أوروبا تخرج من ليلٍ طويلٍ من الجهل والجمود.

فجاء المعلمون يحملون شعلة التجديد،

يعلّمون الناس أن التفكير ليس خطيئة، وأن المعرفة ليست حكرًا على أحد.

أسّس “كومينيوس” فلسفة التعليم الحديث، مؤكدًا أن “التعليم هو فنّ جعل الناس بشرًا”.

ومن فكره انطلقت المدارس العامة والمنهج المنظّم،

ثم تحوّل التعليم إلى حقٍّ إنساني، لا امتياز طبقي.

في فرنسا، وقف المعلمون في وجه الجهل،

وفي ألمانيا بُنيت الدولة الحديثة على شعار:

“المعلمون يصنعون الأمم قبل الملوك.”

أما في الشرق، فقد نهضت مدارس القاهرة ودمشق وإسطنبول وبغداد على يد معلمين جمعوا بين الأصالة والعلم الحديث.

لقد كانوا أول من غرس في الوعي العربي أن التعليم هو استقلال العقل قبل أن يكون وسيلة للوظيفة.

المعلّم في العصر الحديث – شريك التقنية وحارس الإنسانية

في القرن الحادي والعشرين، دخلت التقنية كل بيتٍ وكل مدرسة.

لكن المعلّم ظلّ النواة، وظلّ الإنسان المحوري في منظومة التعلم.

فهو من يوجّه الذكاء الاصطناعي نحو الخير،

ويعلّم الأجيال كيف تستخدم التقنية لا أن تُستعبَد بها.

المعلّم اليوم مصمّم للتجربة التعليمية،

يوظّف أدوات العصر كالتعلم النشط والمشاريع، والتعلم المخصص والتكيفي،

ويجعل من كل تلميذ عالَمًا قائمًا بذاته.

ورغم ثورة الذكاء الاصطناعي،

يبقى المعلّم هو الذكاء الحقيقي الذي يوازن بين العلم والأخلاق،

لأنه وحده من يستطيع أن يُنبت من المعلومة وعيًا، ومن الوعي إنسانًا.

المعلّم في الوجدان الإنساني – الأثر الذي لا يزول

كلّ إنسانٍ يحمل في ذاكرته اسمًا لمعلّمٍ غيّر حياته.

كلمةٌ واحدةٌ قد تزرع في النفس شجاعةً لا تزول،

وابتسامةٌ صادقةٌ قد تفتح باب الأمل إلى الأبد.

المعلّم ليس ناقل معرفة، بل صانع إنسان.

هو من يعلّمنا كيف نحلم، وكيف نخطئ ونتعلم، وكيف ننهض بعد السقوط.

قال أحمد شوقي في بيتٍ خالدٍ صار نشيدًا للضمير الإنساني:

“قُم للمعلّم وفّه التبجيلا

كاد المعلّم أن يكون رسولاً”

ولعلّ شوقي لم يكن يبالغ،

فالمعلّم هو الذي يوقظ النور في العقول كما كان الأنبياء يوقظون النور في القلوب.

أصوات من الميدان التربوي 

في هذا اليوم، لا يكتمل الاحتفاء إلا بأصوات من يعيشون الميدان يوميًا،

أولئك الذين يضيئون القلوب والعقول بالعلم، ويصنعون الأمل في الأجيال.

هي كلمات تحمل الصدق، وتختصر جوهر الرسالة التربوية الخالدة.

كلمة الدكتور فراس الحربي – مشرف تربوي ومستشار نفسي

بمناسبة اليوم العالمي للمعلم أتوجه بأسمى آيات الشكر والتقدير لرسل العلم وقادة المستقبل، لناقلي المعرفة وصانعي الأجيال، لبناة الأوطان وتطوير الحضارات عبر العصور.

المعلّم كان وسيكون دوماً صانع المستقبل وشريك التقنية في وطننا الغالي، إنّ دور المعلم اليوم قد تجاوز كونه مجرد ملقّن للمعلومات، ليصبح مُصمّماً ومُوجِّهاً للعملية التعليمية، مستخدماً كل أدوات العصر الحديث والاستراتيجيات التدريسية الحديثة.

المعلم المبدع هو الذي يتقن توظيف استراتيجيات مثل التعلم النشط، والتعلم القائم على المشاريع (PBL)، والتعلم المخصص، مما يحوّل الفصل الدراسي إلى بيئة تفاعلية ومحفزة تنمي مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات لدى الطلاب.

المعلم الذكي أو المعلمة الذكية هم الذين يستخدمون التقنيات الحديثة ويدمجون الأدوات الرقمية بفعالية لـإثراء المحتوى وجعل عملية التعلم أكثر مرونة وتخصيصاً.

يستخدم المنصات التفاعلية، وموارد التعليم المفتوحة، والوسائط المتعددة لتقديم المعرفة بطرق مبتكرة تناسب أنماط التعلم المختلفة، كما يستخدمون الذكاء الاصطناعي (AI).

ولا بد أن نعرف أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للمعلم أو المعلمة ولكنه أداة تمكين قوية في أيديهم يستفيد منها المعلمون والمعلمات لـتقليل المهام الروتينية كالتصحيح وإعداد التقارير والإحصاءات، ليمنحهم وقتاً أثمن للتفاعل الإنساني مع الطلاب والطالبات.

كما يستخدمونه لـتحليل أداء الطلاب بدقة، وتصميم مسارات تعلم مخصصة تلبي احتياجات كل طالب على حدة والذي يسمى (التعلم التكيفي).

يتحول دور المعلم اليوم ليصبح ضامن التوازن في المجتمع، حيث يضمن الاستخدام الأخلاقي والفعّال للتقنية، مع الحفاظ على البعد الإنساني والتربوي الذي لا يمكن للآلة أن تحل محله.

في الختام، تحية إجلال وتقدير لكل معلم ومعلمة يواصلون تطوير أنفسهم، فهم الركيزة الأساسية التي تصنع الأجيال القادرة على قيادة المستقبل في عصر التحول الرقمي، ويساهمون في نهضة المملكة العربية السعودية نحو رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، رؤية السعودية 2030، حتى نصل لمصاف الدول المتقدمة العالمية في كل المجالات.

شكراً لكم يا بناة العقول

كلمة الخبير والمستشار التعليمي – منى يوسف حمدان الغامدي

التعليم بالنسبة لي ليس وظيفة، بل نداء داخليٌّ يربطني برسالةٍ إنسانيةٍ خالدة.

أؤمن أن المعلّم حين يعطي بحبّ، يزرع في القلوب بذورًا تنمو لتغيّر العالم.

كل مبادرةٍ تطوعيةٍ تعليميةٍ هي جسْرٌ بين المعرفة والمجتمع،

وكل كلمةٍ صادقةٍ تُقال لطلّابنا هي غرسٌ في أرض الوطن.

المعلّمون الحقيقيون لا يدرّسون المنهج فقط، بل يصنعون إنسانًا قادرًا على بناء الغد.

كلمة المعلمة منال أبو ذراع – معلمة في الثانوية السادسة والعشرون بالمدينة المنورة

في يوم المعلم، أستشعر جمال الرحلة التي أخوضها كل يوم بين طموحات طلابي وأحلامي في أن أكون أثرًا جميلًا في حياتهم.

ويملؤني الفخر والامتنان لانتمائي إلى هذه المهنة النبيلة التي تصنع العقول وتبني الأوطان.

فالتعليم بالنسبة لي رسالة حب وعطاء، تُمنح بالقلب قبل الكلمة، وتثمر وعيًا ونورًا في دروب الأجيال.

وما أسعد القلب حين يرى ثمار العطاء تنمو لتُصبح نجاحاتٍ تُروى بفخرٍ مدى الحياة.

كلمة المعلمة سوزان عبدالقادر سندي

أنا معلمة… أحمل رسالة سامية، وأزرع في القلوب حبًّا للعلم، وأبني في العقول أملاً بالمستقبل.

أنا معلمة… أرى في عيون طلابي أحلامًا صغيرة، فأغذيها بالصبر والعطاء حتى تكبر وتزهر.

أنا معلمة… قد أتعب، وقد أسهر، لكن يكفيني أن أرى ثمرة جهدي في نجاح طلابي وابتسامتهم.

أنا معلمة… لست مجرد من تُعلّم الحروف والأرقام، بل من تُربي القيم، وتغرس المبادئ، وتفتح الأبواب أمام الأجيال.

أنا معلمة… أفتخر بمهنتي، لأنها مهنة الأنبياء، وبها تُبنى الأمم وتُصنع الحضارات.

فكل عام وأنا وجميع المعلمات بخير…

عامًا ونحن نضيء دروب الآخرين بنور العلم.

يوم المعلّم العالمي – من ذاكرة العالم إلى ضميره

في عام 1994م، أقرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)

يوم الخامس من أكتوبر يومًا عالميًا للمعلّم،

اعترافًا بالدور الجوهري الذي يؤديه المعلمون في بناء السلام والعقل الإنساني.

منذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم لحظة عالمية للتقدير،

تتحد فيها الثقافات لتقول بصوتٍ واحد:

“من علّم إنسانًا، فقد صان العالم.”

فهو ليس يومًا للاحتفال المهني، بل عهدٌ أخلاقيٌّ متجدد

بين الإنسان ومَن علمه كيف يكون إنسانًا.

مجدٌ لا يزول وفضلٌ لا يُنسى

منذ أول “اقرأ” وحتى آخر قلمٍ سيكتب،

يبقى المعلّم هو العمود الفقري لكل حضارةٍ تُقام على الوعي.

هو من يفتح باب الفكر،

ويزرع في العقول بذور الخير،

ويرسم للأمم طريقها نحو النور.

فلنرفع اليوم أقلامنا شكرًا لا يُمحى:

شكرًا لمن علّمنا الحرف الأول،

وشكرًا لمن صبر على أسئلتنا الأولى،

وشكرًا لكل من جعل من التعليم طريقًا للحياة لا مهنةً للرزق.

كل عامٍ والمعلّمون والمعلّمات بخير،

وكل عامٍ وأنتم تكتبون تاريخ الإنسانية من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى