بعض المقولات


خليفة سالم الغافري
تلعب الأمثال دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي المجتمعي وتوجيه السلوكيات، فهي نتاج خبرات الأجيال وتصوراتهم عن الحياة. ومع ذلك، ليست كل الأمثال تعكس حكمًا إيجابية أو توجهًا سليمًا، بل إن بعضها يحمل رسائل سلبية قد تُعيق الطموح وتُثبّط العزيمة. من هذه الأمثال التي تثير جدلًا في مضمونها قولهم: “اركب الهزيلة حتى تلحق على السمينة”، الذي يدعو إلى القناعة بما هو أقل من الطموح تحت ذريعة الانتظار أو تحسين الظروف. ورغم أن المثل قد يبدو حكيمًا من زاوية، إلا أنه يغفل جانبًا مهمًا، وهو أن الرضا بما هو دون الطموح قد يؤدي إلى التنازل التدريجي عن الأحلام، والانشغال بأمور لا تحقق التقدم الحقيقي.
هذه الفكرة تعكس نوعًا من الاستسلام والخضوع للواقع، وتغذي قناعة وهمية بأن المستقبل سيحمل فرصًا أفضل دون الحاجة لبذل جهد كبير في الحاضر. ولكن الواقع يقول إن التنقل بين “الهزيلات” لا يؤدي بالضرورة إلى بلوغ “السمينات”، بل قد ينتهي العمر في التنقل بين محطات مؤقتة دون الوصول إلى الهدف المنشود. هذا المنهج قد يُثقل النفس بالخيبات المتتالية، حيث يبقى الفرد يدور في دائرة مغلقة من التنازلات والرضا بالحد الأدنى.
إن تأثير هذه المقولات لا يتوقف عند الأفراد، بل يمتد إلى المجتمعات بأكملها، حيث تُكرس ثقافة القناعة السلبية والانتظار بدلًا من العمل والاجتهاد. هذا النمط من التفكير يُعطل الابتكار والطموح، ويحد من قدرة الأفراد على مواجهة التحديات وإحداث التغيير في حياتهم أو في مجتمعاتهم. ومن هنا، فإن إعادة النظر في هذه الأمثال واستبدالها بتصورات إيجابية أصبحت ضرورة مُلحة، خاصة في زمن يحتاج إلى المبادرة والعمل الجاد.
الحكمة الحقيقية ليست في قبول الواقع كما هو، بل في السعي لتحسينه ومجابهة تحدياته بشجاعة وثقة. لذلك، علينا أن نتوقف عن ترديد مثل هذه المقولات دون تفكير، ونسعى لتبني مفاهيم تُحفز على الاجتهاد والإبداع، مثل السعي المستمر لتحقيق الأهداف مهما كانت صعبة. الزمن لا ينتظر أحدًا، والحياة لا تمنح فرصًا ثمينة لأولئك الذين يركنون إلى القليل على أمل أن يأتيهم الكثير لاحقًا. علينا أن نصنع تلك الفرص بأنفسنا، ونتعلم أن التقدم يبدأ بالإيمان بأننا نستحق الأفضل، والعمل بجد لتحقيقه.