رياح الصداقة الموسمية


✍️بقلم / طاهرة الشامسية
(المقال إهداء لأخوات الدهر دفعة ١٩٩٧م تربية رياضية من جامعة السلطان قابوس)
تشبه الصداقة كثيرًا الفصول والرياح التي تهب على أرواحنا، تارة باردة منعشة كنسيم الصباح، وتارة أخرى حارة لافحة ترغمنا على الانزواء. هناك صداقات راسخة كالأشجار المعمرة لا تهزها العواصف ولا تسقطها الأمطار، وهناك صداقات عابرة لا تلبث أن تأتي حتى ترحل، مثل الرياح الموسمية التي تغيّر وجه الأرض في لحظات.
حين نلتقي بأشخاص يفتحون نوافذ أرواحنا على البهجة، نشعر وكأن نسيمًا ربيعيًا يهب في حياتنا. هؤلاء الأصدقاء يلونون أيامنا بالضحكات، يشاركوننا الأحلام الصغيرة والكبيرة، ويمنحوننا طمأنينة الوجود. هم الذين يأتون بلا موعد، لكنهم يتركون أثرًا لا يزول بسهولة.
لكن ليست كل الرياح رقيقة. أحيانًا نكتشف أن بعض الصداقات ما هي إلا عاصفة صيفية عابرة، تهب بقوة ثم تنطفئ سريعًا، مخلفة وراءها غبارًا وندوبًا في القلب. هؤلاء الأصدقاء يقتربون حين تكون الحياة مشرقة، وحين تهب العواصف الحقيقية، نجدهم أول من يرحل.
وهناك صداقات تشبه رياح الخريف، هادئة في البداية، لكنها تحمل أوراقًا تتساقط من شجرة العمر. هم الأصدقاء الذين يعلّموننا أن الود لا يعني الدوام، وأن بعض العلاقات لا بد أن تنتهي كي تفسح المجال لغيرها. ومع ذلك، يبقى في القلب لهم امتنان، لأنهم كانوا جزءًا من رحلتنا.
أجمل الصداقات تلك التي تشبه رياح الشتاء: باردة في ظاهرها، لكنها تحمل معها مطرًا يغسل القلب وينقي الروح. هؤلاء الأصدقاء لا يكثرون الكلام ولا يظهرون في كل لحظة، لكن حضورهم وقت الحاجة يساوي الدنيا بما فيها. معهم نتعلّم أن الصداقة ليست بعدد اللقاءات، بل بصدق المواقف.
الرياح الموسمية في حياتنا تعلمنا درسًا بليغًا: أن الصداقة ليست دائمًا أبدية، وأن التغيّر جزء من طبائع البشر. بعض الأصدقاء يعبرون حياتنا كالعابري سبيل، وبعضهم يبقون جذورًا لا تنكسر مهما تبدلت الفصول. لذا، علينا أن نتقبل رحيل البعض دون غضب، وأن نحافظ على من يثبت مع الأيام أن وجوده ركن من أركان حياتنا.
وأخيرًا…
الصداقة ليست مجرد علاقة اجتماعية، بل هي تجربة إنسانية عميقة، تختبر فينا الصبر، الوفاء، والقدرة على التكيّف. رياح الصداقة الموسمية قد تبعثرنا أحيانًا، لكنها أيضًا تنقينا، وتتركنا أكثر وعيًا بقيمة الصديق الحقيقي. وكما أن الأرض لا تستغني عن رياحها لتجدد حياتها، كذلك نحن لا نستطيع أن نحيا بلا أصدقاء، سواء كانوا دائمين أو موسميين.