

✍️الكاتبة: زينة سليم سالم البلوشي
الجزء الخامس
عاد المحقق في اليوم التالي ليستكمل التحقيق، لكن هذه المرة مع جميع أفراد أسرة الضحية.
كان الجو في القصر ثقيلاً، وكأن جدرانه تخفي سراً لا يريد أن يُكشف. وعندما دخل الصالة الكبيرة ذات الإطلالات البديعة، شعر بأن شيئاً ما قد تغيّر؛ فالجمال الذي كان يملأ المكان بالأمس بدا باهتاً وكئيباً، وكأن الروح غادرته.
جلس المحقق في وسط الصالة، ثم حضر جميع أفراد الأسرة. بدت عليهم علامات الارتباك والخوف والقلق؛ نظرات قلقة، وأجساد متصلبة، وكأن شيئاً ما يوشك أن ينفجر بينهم. بدأ التحقيق مع الابن الأكبر عصام آل عيسى.
المحقق: هل رأيت والدك ليلة أمس؟
عصام (بثقة): لقد أخبرتك بالأمس، رأيته حوالي الساعة الثامنة والنصف، ثم عدت إلى غرفتي.
المحقق: هل دار بينكما حديث أغضبه؟ أم أن الأمر كان عادياً؟
عصام: كما قلت لك، كنت أخبره برغبتي في العمل معه ومساعدته. كان سعيداً جداً بل فخوراً بي لأني خطوت هذه الخطوة.
ورغم ثقة عصام الظاهرة، لاحظ المحقق لمحة توتر خفية في ملامحه، لكنها لم تكن كافية لتوجيه الاتهام. وبعد نصف ساعة من الاستجواب، قال المحقق في نفسه: “يبدو شاباً جيداً… لكن شيئاً ما لا يطمئنني بالكامل.”
انتقل بعد ذلك إلى الابنة الوسطى سعاد آل عيسى، البالغة 22 عاماً. دخلت وهي متوترة، وعيناها تمتلئان بالقلق. طرح عليها الأسئلة ذاتها.
سعاد (بصوت مرتجف): لم أكن في القصر البارحة، كنت في عطلة مع زملائي وعدت فجراً.
لكن المحقق لم يقتنع؛ فإجاباتها كانت مضطربة، ونبرة صوتها مرتبكة بشكل واضح. وكلما طرح سؤالاً، ازدادت تلعثماً، وكأنها تخفي شيئاً أكبر مما تقول. دوّن المحقق كل تفاصيل إجابتها بدقة وهو يفكر: “هل تخفي أمراً أعظم؟”
ثم جاء دور الابن الآخر ناصر آل عيسى، البالغ من العمر 20 عاماً. بدا عليه الخوف، وأجاب باقتضاب، وكأنه يخشى الوقوع في الخطأ. عيونه كانت تتهرب من نظرات المحقق، وصوته مزيج من القلق والارتباك. لم يتمكن المحقق من الجزم إن كان يقول الحقيقة أم لا، لكنه دوّن ملاحظات أكثر من المعتاد.
بعده جاء عاكف آل عيسى، الابن الأصغر (19 عاماً). أجاب بهدوء وثقة مبالغ فيها، وكأنه غير معني بما يجري. هذا الهدوء جعل المحقق يستبعده مؤقتاً، لكنه لم يهمل تسجيل سلوكه غير الطبيعي.
ثم استدعى المساعد الشخصي للضحية أفلح الرحماني، في أواخر الأربعينيات من عمره. كان يتصبب عرقاً من شدة التوتر، وأجاب على الأسئلة بارتباك واضح؛ عيناه تهربان، وصوته يرتجف خاصة عندما سُئل عن موقعه وقت الجريمة. بدأ المحقق يتيقن أنه يعرف أكثر مما يقول، لكنه فضّل الانتظار لفرصة مناسبة للضغط عليه.
بعد ذلك جاء دور الزوجة الثانية للضحية، إذ إن الزوجة الأولى توفيت بعد إنجابها الابن الأخير. بدت حزينة ومنهارة، لكن المحقق لم يقتنع تماماً بنبرتها الهادئة أكثر من اللازم.
المحقق: أين كنتِ البارحة؟ وهل رأيتِ زوجك؟
الزوجة: ذهبت لزيارة أهلي وبقيت عندهم. رأيته قبل مغادرتي.
المحقق: ومتى كانت آخر مرة تحدثتِ معه؟
الزوجة: في الساعة الخامسة مساءً.
لكن شيئاً في إجابتها بدا غير منطقي. هناك حلقة مفقودة في القصة… حلقة ربما سيكتشفها قريباً.
وأخيراً استجوب المحقق الخادمة والحارس، وطرح عليهما الأسئلة نفسها، مسجلاً كل كلمة بعناية. وقبل مغادرته القصر، وجّه أوامر صارمة:
يمنع أي شخص من مغادرة القصر.
يمنع تماماً الاقتراب من مسرح الجريمة.
لا أحد يدخل… ولا أحد يخرج.
غادر بعدها عائداً إلى القسم، وجلس في مكتبه المظلم. أخرج دفتر ملاحظاته، وبدأ يقلب الصفحات بعناية، باحثاً عن خيط صغير يقوده للحقيقة. كان يشعر أن شيئاً ما أمامه مباشرة، لكنه
لم يره بعد… وربما يوشك على اكتشافه.
يتبع…