لؤي محمد حمزة… بين أصابع الزمن والهدف الضائع


محمد منيع ابوزيد
في المشهد الفني السعودي، تتقاطع الأجيال وتتلاقى التجارب، ويظل هناك دائمًا من يحمل الشعلة ليضيء بها الطريق. الفنان لؤي محمد حمزة ليس مجرد اسم ارتبط بوالده الراحل محمد حمزة، رائد الدراما السعودية، بل هو صوت مستقل سعى ليكون امتدادًا للذاكرة وبصمة للمستقبل.
بين التمثيل والكتابة والإخراج، وبين خشبة المسرح وشاشة التلفزيون، ظل يبحث عن «الهدف» الذي لا يضيع، ليكتب فصلاً جديدًا في مسيرة الفن السعودي
المسرح… بيت الروح
• المسرح بالنسبة لك هو “البيت الأول”، ماذا يعني ذلك تحديدًا؟
المسرح بالنسبة لي أكثر من مجرد خشبة وعرض، إنه فضاء حي تتحول فيه الأفكار إلى أجساد، والقيم إلى مشاهد، والرموز إلى حوار نابض بالحياة. هو المكان الذي يلتقي فيه الإنسان بذاته ويواجه مجتمعه ويعيد تشكيل العالم إلى خيال.
• في ظل صعود الدراما والسينما، لماذا تصرّ على أن المسرح هو الجوهر الأصدق للفن؟
لأن المسرح يجمع الفلسفة والفن والطقوس الاجتماعية في تجربة فكرية وجمالية متكاملة. هو ليس فقط أبو الفنون بل الابن البار للخيال الإنساني.
• ما الذي ينقص المسرح السعودي ليواكب المسارح العالمية؟
نفتقر إلى معاهد متخصصة أكاديميًا وتطبيقيًا، وضعف التكوين في مجالات مثل السينوغرافيا والكتابة المسرحية والإخراج الرمزي. كما نحتاج إلى تبادل ثقافي أوسع، ومهرجانات دولية، وتعزيز ذائقة الجمهور، والأهم: الجرأة الفكرية والرمزية.
• لو أُعطيت فرصة لقيادة مشروع وطني لإحياء المسرح السعودي، كيف ستصوغه؟
سأضع ركائز أساسية مثل: بناء هوية رمزية تستلهم التراث المحلي، تأسيس مراكز مسرحية في كل منطقة، إطلاق برامج تدريبية متخصصة في مختلف مجالات المسرح، وضمان استدامة التمويل بمشاركة القطاع الخاص في دعم العروض والمهرجانات
الدراما السعودية والهوية
• كيف ترى تطور الدراما السعودية منذ بدايتك وحتى اليوم؟
مرت بعدة مراحل؛ في الستينات حتى الثمانينات ركزت على اليوميات والعلاقات الأسرية مثل «أصابع الزمن» و«ليلة هروب». في التسعينات برزت الكوميديا النقدية مثل «طاش ما طاش». أما في الألفية الجديدة فانطلقت مرحلة الانفتاح والتنوع، واليوم نعيش نهضة رمزية في ظل الرؤية.
• هل الدراما السعودية قادرة على المنافسة عربيًا وعالميًا؟
نعم، لدينا طفرة إنتاجية مدعومة من هيئة الأفلام وهيئة المسرح، مع تنوع المحتوى وتطور ذائقة المشاهد.
• ما الذي يجب أن تحمله الأعمال السعودية من رسائل لتبقى مرتبطة بالهوية؟
إبراز التعدد الثقافي وربط الماضي بالحاضر، مع استخدام الرمزية البصرية والدرامية.
• هل وفرة الإنتاج تعني جودة أعلى؟
الجودة تأتي من الخبرة والاحتكاك والمحتوى الهادف والتخصص، إضافة إلى الدعم المالي.
• كيف يمكن التوازن بين الدراما التجارية والدراما الهادفة؟
الدراما التجارية تخاطب العين، والدراما الهادفة تخاطب العقل، أما الدراما المتوازنة فهي التي تخاطب الإنسان كله
ذكريات «أصابع الزمن»
• كيف تستعيد ذكريات دخولك المبكر للدراما طفلًا في «أصابع الزمن»؟
كانت تجربة مليئة بالمفاجآت والمواقف المثيرة، لم أكن أتوقع دخولي هذا العالم، لكن إرادة الله شاءت أن أكون جزءًا منه، ولا تزال ذكراها حاضرة.
• ما الدرس الأهم الذي تعلمته من تلك التجربة المبكرة؟
تعلمت أن الخجل يمكن تجاوزه بالإصرار. المخرج وإخوتي، خصوصًا وائل، وقفوا معي حتى اجتزت التحدي. ورغم غيابي عن المدرسة شهرين أثناء التصوير، عدت وتفوقت بفضل الله.
• هل كان كونك ابن محمد حمزة سببًا في تسهيل دخولك؟
الدخول لم يكن بالسهولة المتصورة. المخرج هو من اختارني وشجعني، ثم جاء دعم والدي وأخي وائل. لكن المسؤولية كانت ثقيلة منذ البداية.
• أي المشاهد القديمة لا يزال محفورًا في ذهنك؟
مشهد الضياع في «أصابع الزمن»، ومشهد الإدمان في «ليلة هروب».
• لو عاد بك الزمن، هل ستقبل المشاركة من جديد؟
نعم، أقبلها بكل رضا
الإخراج والكتابة… الوجه الآخر للفنان
• أيهما يمنحك مساحة أعمق للتعبير: التمثيل أم الإخراج والكتابة؟
أشعر بالقرب من الكتابة لأنها تعبر عن ذاتي، وقد دفعني والدي للقراءة دائمًا. أما التمثيل فهو البداية التي انطلقت منها وأجد نفسي فيها. والإخراج هو بصمتي الخاصة التي أضعها في أعمالي المسرحية.
• ما الفارق بين أداء دور مكتوب لك، وكتابة نص تمثله بنفسك؟
حين أكتب وأمثل دوري يكون إحساسي أعلى، لأني أعرف الشخصية من جميع جوانبها. أما الأدوار الخارجية فقد لا تناسب طبيعتي، فأحتاج وقتًا لفهمها.
• أي عمل كتبته أو أخرجته كان الأقرب إلى روحك؟
المسلسل الإذاعي «مشعل ومشاعل»، ومسرحية «الهدف الضائع».
• هل لديك مشروع لم ينفذ بعد؟
نعم، لدي فيلم كروي اجتماعي من تأليفي، وهو أحدث ما كتبت، وأتمنى أن تسمح الظروف لإنتاجه قريبًا.
• هل يمتلك الجيل الجديد من الكتاب الجرأة الكافية؟
نعم، لديهم عوامل مساعدة مثل سهولة الوصول إلى المعلومة، والتكنولوجيا الحديثة، والقدرة على مناقشة قضايا كانت محظورة في الماضي
الحياة الخاصة وظلال الشهرة
• ما أصعب المواقف التي واجهتها كونك “ابن نجم كبير”؟
إثبات الوجود في كل مرة، حتى لا يقال إننا دخلنا الفن بالواسطة.
• كيف تعاملت مع المقارنات بينك وبين والدك؟
لكل شخص ما يميزه. والدي كان له كاريزما خاصة، ونحن عائلة واحدة، وكل مدح يصل لأي فرد فينا يفرح الجميع.
• هل تمنيت يومًا الابتعاد عن الفن لتفادي هذه المقارنات؟
لا أبدًا. أنا سعيد بدخولي الفن، لأن أعمالنا جميعًا قدمت رسائل اجتماعية هادفة.
• لو قُدر لك حذف عمل واحد من ذاكرتك وذاكرة الجمهور، أي عمل سيكون؟
بعض الأعمال التي كانت خارج نطاق أعمال الوالد، وأعذرني عن عدم ذكرها
المستقبل… و”الهدف” الذي لا يضيع
• لماذا اخترت عنوان «الهدف الضائع» لمسرحيتك الأخيرة؟
لأن المحتوى والشخصيات فرضت هذا العنوان. أنا لا أضع عنوانًا قبل الكتابة بل بعدها.
• هل العمل انعكاس لمسيرتك الشخصية أم إسقاط على المجتمع؟
هو عمل اجتماعي هادف، أرسلت من خلاله رسائل بأسلوب كوميدي سلس، يناسب كل فئات المجتمع، وهذا ما وجدته من ردود الأفعال.
• كيف ترى مستقبل المسرح السعودي؟
في تطور كبير بفضل الرؤية، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، ودعمهم المستمر للشباب والشابات.
• هل ستتجه للسينما مستقبلًا؟
لدي فيلم مجاز من هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وفي انتظار أن يرى النور.
• ما رسالتك الأخيرة للشباب السعودي الطامح للفن؟
اقرأوا كثيرًا، وشاركوا في الورش والدورات الفنية، وطوروا مهاراتكم في المجال الذي تحبونه، فالشغف هو أساس النجاح
الخاتمة
يبقى لؤي محمد حمزة علامة فارقة في المشهد الفني السعودي. بين أصابع الزمن والهدف الضائع، تتشكل حكاية فنان وجيل كامل لا يبحث عن مجرد شهرة، بل عن بصمة خالدة في ذاكرة الناس عبر الصدق الفني.
وفي نهاية اللقاء، وجّه الفنان شكره قائلًا:
“أشكرك أستاذ محمد منيع أبوزيد على هذا الحوار اللطيف، متمنيًا لك دوام التوفيق.