Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
من ذكراهم

ثُريّا قابل.. رائدة الشعر النسائي وصوت الحجاز الذي لا ينسى

محمد منيع ابوزيد

محمد منيع ابوزيد

في زمنٍ كانت فيه الكلمة الأنثوية تتوارى خلف الأسماء المستعارة، وتخشى أن تعلن حضورها في المشهد الأدبي، خرجت الشاعرة ثُريّا قابل من جدة لتكتب اسمها في صفحات الأدب السعودي الحديث بحروفٍ من نور، ولتُصبح واحدة من أهم الأصوات التي مهدت الطريق للمرأة في ساحة الشعر والصحافة والأغنية.

 النشأة والبدايات.. من قلب جدة إلى فضاءات الشعر

وُلدت ثريا محمد قابل في مدينة جدة في أربعينيات القرن العشرين (بين عامي 1940 و1943م)، ونشأت في حيٍّ عريق من أحياء المدينة القديمة هو حارة المظلوم، وسط بيئةٍ ثقافيةٍ وتجاريةٍ نابضة بالحياة. تنتمي إلى أسرةٍ عُرفت بعراقتها، ويتصل اسمها بأحد أشهر شوارع جدة «شارع قابل».

منذ طفولتها، كانت قابليتها اللغوية لافتة، إذ تلقّت تعليمها الأولي على يد المربي حمزة السعداوي، ثم واصلت دراستها في الكلية الأهلية ببيروت، وهناك بدأت موهبتها الشعرية تتبلور، وتلقت دعمًا وتشجيعًا من الشاعر العراقي الكبير أحمد الصافي النجفي الذي رأى فيها مشروع شاعرة تحمل لغةً مختلفة وصوتًا مميزًا.

 «الأوزان الباكية».. ميلاد أول ديوان نسائي سعودي

في عام 1963م، سجّلت ثريا قابل لحظة تاريخية في الأدب السعودي بإصدارها ديوانها الشهير «الأوزان الباكية» في بيروت، ليكون بذلك أول ديوان شعري نسائي سعودي يُنشر باسم صاحبته الصريح في وقتٍ كانت فيه الشاعرات يلجأن للأسماء المستعارة.

واجه الديوان رفضًا مبدئيًا ومنعًا من التداول داخل المملكة بسبب جرأة الطرح وحداثة الأسلوب، إلا أن لقاءها بالملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – غيّر المسار، إذ أُجيز تداول الديوان رسميًا ليصبح علامة فارقة في مسيرة الأدب النسائي السعودي.

 الكلمة التي غنّاها الكبار.. أثرها في عالم الأغنية

لم يكن الشعر هو ميدان إبداع ثريا قابل الوحيد، فقد انتقلت كلماتها من صفحات الدواوين إلى ألحان الموسيقى وأصوات المطربين الكبار، لتصبح من أهم كاتبات الأغنية السعودية الكلاسيكية، وتسهم في صياغة وجدان جيلٍ كامل من عشّاق الطرب.

تعاونت ثريا قابل مع نخبة من أعلام الغناء السعودي والعربي، وارتبط اسمها بأسماء مثل طلال مداح، محمد عبده، فوزي محسون، وعبادي الجوهر، وقدّم هؤلاء بأصواتهم بعضًا من أجمل النصوص التي سُطّرت في الذاكرة الغنائية:

 مع الفنان طلال مداح:

  • من بعد مزحٍ ولعب
  • تمنيت من الله
  • ادّيني عهد الهوى

وغيرها الكثر

 مع الفنان فوزي محسون:

  • من بعد مزحٍ ولعب (من أشهر أعمالها وأيقونة الطرب الحجازي)
  • أحبك وأغليك

والكثير من الأعمال

مع الفنان محمد عبده:

  • واحشني زمانك
  • لا وربي

مع الفنان عبادي الجوهر:

  • شارك بأداء بعض نصوصها في حفلات وتسجيلات تلفزيونية، ومنها إعادة تقديم «من بعد مزحٍ ولعب» بصوته.

وقد تحوّلت بعض هذه الأعمال إلى أيقونات خالدة في تاريخ الطرب السعودي، وأصبحت تُردد حتى اليوم في المناسبات والمهرجانات الفنية، شاهدةً على بصمة ثريا قابل في الأغنية الحديثة.

 الصحافة والأدب.. قلم يواكب العصر

إلى جانب الشعر والأغنية، خاضت ثريا قابل تجربة صحفية مؤثرة عملت خلالها في صحيفتي «عكاظ» و**«البلاد»**، وأسهمت في تطوير الصفحات الثقافية والفكرية بمقالات وتحليلات لامست قضايا المجتمع والأدب. كما تولّت رئاسة تحرير مجلة «زينة» بين عامي 1986 و1987م، ما رسّخ مكانتها كصوتٍ ثقافي نسائي رائد في الإعلام السعودي.

 أسلوبها الشعري.. رهافة وإحساس وعمق

تميّزت لغة ثريا قابل بعذوبتها ورقتها وصدقها العاطفي. تناولت في قصائدها موضوعات الحب والحنين والمرأة والذكريات الإنسانية بأسلوب يجمع بين البساطة والعمق. كما مزجت بين الشعر العمودي والشعر الحرّ، مقدّمة نموذجًا أدبيًا مميزًا فتح الباب أمام أجيال لاحقة من الشاعرات السعوديات.

 التكريم والإرث.. ذاكرة لا تغيب

على مدى أكثر من ستة عقود، ظلّت ثريا قابل علامة مضيئة في الأدب والثقافة السعودية. نالت تكريمات محلية وعربية عدّة، وكان آخرها في عام 2024م عندما تكفّل الأمير خالد بن فهد بعلاجها إثر وعكة صحية، في تقديرٍ لدورها الأدبي الكبير ومكانتها في الذاكرة الثقافية الوطنية.

 امرأة سبقت عصرها

لم تكن ثريا قابل مجرّد شاعرة تكتب قصائد الحب، بل كانت امرأةً سبقت عصرها، كسرت القيود الاجتماعية، وأثبتت أن الكلمة النسائية قادرة على أن تكون جريئة وعميقة ومؤثرة.

بقصائدها العذبة وأغانيها الخالدة ومقالاتها الجريئة، تركت بصمةً لا تمحى في الوجدان السعودي، وأصبحت جزءًا من هوية الأدب والفن في المملكة.

وستبقى ثريا قابل، ما بقيت الكلمة تُقال والقصيدة تُغنّى، رمزًا لريادة المرأة السعودية وصوتًا لا يُنسى في ذاكرة الشعر والطرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى