Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
من ذكراهم

طارق عبدالحكيم.. عميد الفن السعودي وصوت المملكة الذي حمل النغم إلى العالم

محمد منيع ابوزيد

محمد منيع ابوزيد

في سجلّ التاريخ الثقافي للمملكة العربية السعودية، هناك أسماء تظل محفورة في الذاكرة لا لأنها أبدعت فحسب، بل لأنها غيّرت ملامح الفن وأسست له هوية. ومن بين تلك الأسماء، يبرز اسم الموسيقار طارق عبدالحكيم كأحد أهم روّاد النهضة الموسيقية السعودية والعربية، الذي حمل النغم السعودي من الطائف إلى أكبر المسارح العالمية، وجعل من الموسيقى لغةً تنطق بملامح الوطن وتراثه وهويته.

النشأة والبدايات

وُلد طارق عبدالحكيم عبدالكريم في مدينة الطائف عام 1338هـ (1920م)، وعُرف لاحقًا بلقب «عميد الفن السعودي». التحق بالخدمة العسكرية مبكرًا، وواصل مسيرته فيها حتى تقاعد برتبة عميد، إلا أن شغفه بالفن ظل حاضرًا في كل مراحل حياته، فحمل رسالته الموسيقية بحبٍّ وإصرار، وسخّر موهبته لخدمة الوطن وتعزيز حضوره الثقافي.

إنجازات عالمية ومناصب رفيعة

شكّل عبدالحكيم علامة فارقة في مسيرة الموسيقى العربية، إذ كان أول موسيقي عربي يحصل على جائزة اليونسكو الدولية من المجلس الدولي للموسيقى عام 1981م، وكان سادس موسيقي في العالم ينال هذا التكريم المرموق.

كما شغل منصب رئيس المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية بين عامي 1983 و1989م لثلاث دورات متتالية، ثم واصل عطاؤه نائبًا لرئيس المجمع لمدة أربع سنوات أخرى، ليصبح بذلك أول فنان سعودي يتولى مثل هذا المنصب الدولي الرفيع.

تأسيس الفنون الشعبية وبناء المؤسسات الثقافية

كان طارق عبدالحكيم صاحب رؤية رائدة في تطوير الفنون الشعبية السعودية وتوثيقها. فقد أسّس إدارة الفنون الشعبية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1395هـ بتوجيه من الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله –، ثم عُيّن مديرًا للإدارة عام 1396هـ، ولاحقًا خبيرًا للفنون الشعبية في الرئاسة، بالإضافة إلى عضويته الفاعلة في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.

كما أسهم في تأسيس موسيقات الجيش وموسيقات الأمن العام، واضعًا الأسس الأولى للموسيقى العسكرية السعودية التي أصبحت عنصرًا أساسيًا في الاحتفالات الرسمية والمناسبات الوطنية.

إنتاج علمي وفني ثري

لم يكن عبدالحكيم موسيقيًا ومُلحنًا فحسب، بل كان أيضًا باحثًا ومؤلفًا، حيث قدّم ما يقارب 20 مؤلفًا تناولت موضوعات الموسيقى والنغم والغناء والفنون الشعبية والبحوث الفنية، لتصبح مرجعًا مهمًا في المكتبة العربية الموسيقية.

وقد كُرّم على إنجازاته العظيمة بـ وسام الاستحقاق الملكي من الدرجة الثانية في 7 / 4 / 1404هـ، بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله –، كما حصل على العديد من الزمالات الفخرية والشهادات التقديرية من دول عربية وأوروبية وأمريكية.

إرث موسيقي خالد بالأرقام

تُظهر الأرقام حجم العطاء الفني الهائل الذي قدّمه عبدالحكيم خلال مسيرته التي تجاوزت نصف قرن:

  •  أكثر من 252 لحنًا عاطفيًا قدّمتها أصوات عربية بارزة مثل نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، كارم محمود، محمد قنديل، وديع الصافي.
  •  142نشيدًا وطنيًا سعوديًا.
  •  111 مقطوعة موسيقية و 14 سيمفونية.
  •  15 لحنًا للمارشات العسكرية.
  •  17 أوبريتًا دينيًا.
  •  10 مونولوجات.
  •  19 نشيدًا وطنيًا للدول العربية الشقيقة كمشاركات وجدانية، معظمها خُصص لدولة الكويت أثناء فترة التحرير.

كما أسهم في إثراء التراث الشعبي من خلال ألحان العرضات والمجارير والمجسّات التي ما زالت تشكل جزءًا أصيلًا من الهوية الفنية السعودية.

حضور عالمي وسفير للنغم السعودي

لم يكن عبدالحكيم فنانًا محليًا فحسب، بل كان سفيرًا للنغم السعودي في المحافل العالمية، إذ مثّل المملكة في قرابة 40 مهرجانًا وفعالية دولية، وسافر إلى نحو 72 دولة لنشر ثقافة الفنون الشعبية والأغاني السعودية، مقدّمًا صورة مشرّفة عن الفن السعودي الأصيل في المحافل العربية والأوروبية والآسيوية والأمريكية.

خاتمة

رحل الموسيقار طارق عبدالحكيم عن هذه الدنيا، لكن إرثه ما زال حيًا في كل لحن يُعزف وكل نشيد يُتلى وكل عرضة تهز القلوب. لقد كان أكثر من مجرد موسيقي؛ كان صوت وطنٍ بأكمله، ومؤسسًا لمدرسة موسيقية سعودية تركت أثرًا لا يُمحى في الوجدان العربي

ستظل أنغامه تسكن ذاكرة الفن العربي كأنها نبض وطنٍ يُروى بالألحان، وستبقى مسيرته علامة فارقة تلهم الأجيال القادمة في فهم معنى الإبداع حين يتجذّر في الهوية. فما قدّمه طارق عبدالحكيم لم يكن مجرد موسيقى، بل كان لغةً من الحب والانتماء، ورايةً ثقافية حملت اسم المملكة عاليًا في كل محفل، تؤكد أن الفن الأصيل لا يشيخ، بل يزداد خلودًا مع مرور الزمن

المصدر الأستاذ / سلطان طارق عبدالحكيم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى